الأسبوع الماضي صدرت معظم الصحف البريطانية تحت عنوان "البرلمان يخذل رئيس الوزراء" فيما جريدة حزب المحافظين الذي يرأسه رئيس الوزراء، كتبت على صدر صفحتها الأولى افتتاحية تحيي فيها الديمقراطية البريطانية الراسخة، وفي الأسابيع الماضية أيضا خرج البرازيليون للمطالبة بإعادة رئيسهم السابق "لولا دا سيفا" للسلطة لأنهم شعروا بأنهم مع هذا الرجل قدموا للعالم صورة مغايرة للزعامات..ففي الوقت الذي كان فيه بعض الرؤساء يلقون الخطب الرنانة لشعوبهم، عرفت البرازيل مع رئيسها السابق ازدهارا لم تعرفه من قبل.. فقد أعطى الفقراء وعدا وقطع لهم عهدا.. لم يكذب عليهم ولم يركب على أكتافهم..، وبينما يصر البعض على الاستمرار في السلطة حتى النفس الأخير، مشى "لولا " حتى اليوم الأخير من حكمه مؤمنا بالدستور رافضا أن يغيره لصالحه فيبقى رئيسا لولاية ثالثة مثلما يتمنى معظم أهالي البرازيل.
هذه هي الأخبار التي أمامكم، أما أخبارنا فحدّث ولا حرج: معارك الساسة ضد الناس، وعنف الناس في ما بينهم، وصلافة البعض ممن يعتقدون أن بناء النظام يتم بطريقة خطف الكراسي والتسلل إلى مؤسسات الدولة بشعارات كاذبة،. والآن هل كثير علينا نحن أبناء هذا الوطن المنكوب، أن يخرج علينا رئيس مجلس الوزراء ويُجيب على تساؤل مهم: لماذا يرفض الذهاب إلى البرلمان؟ وهل من حقنا أن نعرف هل قرر المالكي البقاء في السلطة وأنه يبحث الآن عن الوسائل التي تقوده إلى هدفه؟! هذا السؤال الذي يتردد اليوم بقوة خصوصاً بعد أن خرج علينا أعضاء في دولة القانون ليقولوا بوضوح،لا للاستجواب ولا لإقالة رئيس مجلس الوزراء، ولا لمحاسبة القادة الأمنيين.. وأريد من أصحاب "اللاءات " أن يخبرونا هل قرروا أن يجعلوا من البرلمان مجرد صورة لديمقراطية زائفة؟
وأتمنى ونحن نتابع معا صولات السيد المالكي ومقربيه مع البرلمان، أن نلاحظ، ما تكتبته الصحف البريطانية عن خيبة امل كاميرون وانتصار البرلمان البريطاني.. وان نتمعن جيدا في قوة المجالس النيابية في العالم التي تقف سدا منيعا في وجه القرارات الفردية للحكام.. لماذا؟ لأن هذه الشعوب، زعيمها الحقيقي ليس الرجل الجالس على الكرسي، وإنما القانون الذي يعلم الجميع ساسة ومسؤولين ومواطنين ما هي واجباتهم، وأين تنتهي حقوقهم!
بينما العنوان في صحفنا الرسمية وشبه الرسمية هو واحد لا يتغير " نجاح الخطة الأمنية " فلتحيا الحكومة إذاً.. وعلينا جميعا ان نتمنى على البرلمان كما طالبتنا صحيفة الحزب الحاكم أن يكف عن التدخل في شؤون الحكومة.
ما أسهل أن تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس بالأحلام الخادعة، وما أسهل أن يصدقك السذج.. لكن ما أصعب أن تنجو من ثمن عدم صدقك.. يجيب الرئيس البرازيلي على سؤال لأحد الصحفيين عن الدرس الذي تعلمه خلال سني حكمه الثمانية قائلا: إن الناس اختارتني ليس حبا في تاريخي النضالي، ولا عشقا للشعارات التي رفعتها، بل من أجل أن يتحول خطاب التغيير الذي صدعت به رؤوسهم إلى واقع ملموس، وهو ما أدركته منذ اليوم الأول لدخولي قصر الرئاسة.. فأخترت أن أبدأ بتحقيق أحلام الناس بأفكار شديدة البساطة مراعيا أن أكون حذرا كي لا أدفع ثمن الفشل.
عندما تحقق له النجاح في دورته الأولى أصبح "لولا" متأكدا أن الفقراء الذين جعلهم في المرتبة الأولى من اهتماماته سيكونون نصيره الوحيد للحصول على فرصة رئاسية ثانية.
دارسو الحالة البرازيلية يعتبرون انتخاب الرئيس "لولا دا سليفا" عام 2002 شكّل انتقالة مهمة في حياة البلاد، وخاصة عندما أطلق في مطلع عام 2003 برنامجه الشهير "الجوع صفر"، أي "القضاء على الجوع" الذي ربط فيه بين تقديم مساعدات مالية للأسر الفقيرة وبين دخول أبنائها إلى المدارس، وكان هذا البرنامج قد طال حوالي أكثر من نصف سكان البرازيل منذ بداية تطبيقه.
الآن.. الناس في بريطانيا صفقت لشجاعة البرلمان..فيما نحن نعيش في ظل ساسة لا يريدون أن يتعلموا من تجارب الشعوب.. ويصرون على أن نقرأ في الصحف مانشيتاً واحداً لاغير: " صوتوا للمالكي لدورة ثالثة فهو وحده القادر على الوقوف بوجه البرلمان "!
من سيصوّت للمالكي؟
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
حداد قدوري
اعمدتك يجب ان تنقش بالذهب يا فارس الكلمة الصادقة .. انت كاتب يحترم نفسه وقراءه .. بارك الله فيك وحماك
سليم الخطيب
اْقرا للسيد علي كتاباته وكثيرا منها عن رئيس الوزراء نوري المالكي وهو حر في ذلك واحترم ارائه كثيرا ولكن اوجه سؤالي للسيد الصحفي هل المالكي وحده سر البلاء في العراق واذا استبدل المالكي هل يعود الامن للعراق وتمحى التفجيرات من ذاكرتنا وهل سينتهي الفساد كليا