الكل يعرف ان الحروب تكلف الكثير، فاختيار الذهاب للحرب ينطوي على مخاطر في الدماء و الأموال لأية دولة تنخرط بعمل عسكري في الخارج . لكن ماذا عن الضربة " المحدودة " التي تتصورها إدارة اوباما ؟ ما حجم التكاليف المترتبة على ضربات صاروخية قصيرة الأجل و قليل
الكل يعرف ان الحروب تكلف الكثير، فاختيار الذهاب للحرب ينطوي على مخاطر في الدماء و الأموال لأية دولة تنخرط بعمل عسكري في الخارج . لكن ماذا عن الضربة " المحدودة " التي تتصورها إدارة اوباما ؟ ما حجم التكاليف المترتبة على ضربات صاروخية قصيرة الأجل و قليلة المخاطر ضد سوريا ؟
استنادا الى الخبراء و الوثائق الحكومية ، فان ضربة بصواريخ كروز تكلف البنتاغون اسلحة بمئات الملايين من الدولارات خلال اسابيع قليلة فقط. بطبيعة الحال ، ان التكاليف المادية يجب ان تقترن بالتكاليف السياسية و حقوق الأنسان جنًبا الى جنب مع العوامل المخففة مثل مخاطر التقاعس ، إلا ان الأرقام تستوجب النظر فيها .
في حين انه لا توجد مقارنة تامة ، فان إدارة اوباما تستخدم لغة العمل المحدود الذي يرسم مقارنة ستراتيجية قريبة الى ليبيا. يقول محللون عسكريون ان العمل العسكري في ليبيا عام 2011 في اول اسبوعين فقط كلف الولايات المتحدة نحو 600 مليون دولار. صحيح ان معظم النفقات التي كانت تتعلق بتأسيس منطقة حظر جوي في ليبيا لن تكون معقولة في سوريا لكن مع هذا، فان صواريخ توماهوك الأرضية، التي من المحتمل جدا استخدامها في سوريا، يكلف الواحد منها 1.4 مليون دولار، ( و كذلك الحال مع صواريخ كروز رايثون توما هوك التي تطلق من البحر، بالاضافة الى الذخائر التي تطلق من الجو حسب تقرير مكتب بحوث الكونغرس ). في حالة سوريا، فان البحرية الأميركية تمتلك مدمرات عديدة متوقفة في شرق البحر المتوسط ، في كل منها 96 خلية صاروخية . كما ان الغواصات المزودة بالصواريخ تعتبر ايضا احد الخيارات المطروحة على الطاولة . ذكرت تقارير ان الغواصة الأميركية الواحدة قد أطلقت 99 صاروخ توماهوك على اهداف في ليبيا في آذار 2011 .
طائرات الاستخبارات ، مثل اواكس أي-3 ( منظومات سيطرة و تحذير محمولة جوا ) و جي ستارز أي-8 ( منظومة مراقبة رادارية ) ، من المحتمل ان تضيف الى التكاليف كدعم لأي شكل من أشكال الضربة العسكرية على سوريا . تشغيل هذه المنظومات يمكن ان يكلف عدة ملايين ، كما مطلوب اعادة تزويد الدبابات بالوقود و هذا يضيف المزيد من الملايين . نفقات الدعم الأخرى تشمل فرق السلامة و الإنقاذ ،ففي ليبيا خسرت الولايات المتحدة طائرة واحدة بسبب خلل فني ، لكن تم انقاد جميع طاقمها من قبل فرق الدعم التي تظل عنصرا ضروريا في هذا النوع من الاعمال العسكرية .
هذه التكاليف العالية بالدولارات من أجل عمل عسكري يجب ان لا تفاجئ احدا. بالاضافة فان البعض قد يرى ان طبيعة الضربة المحدودة ذات الكلفة العالية و الأجل القصير مفيدة من الناحية المالية، حيث انها تقي الخزانة تكاليف العمل الضعيف و التهديدات الأمنية طويلة الأجل . مع ذلك فان التكاليف الاقتصادية المحتملة للعمل العسكري في سوريا ، مع استمرار الولايات المتحدة بتقليص ميزانيتها، تعتبر كبيرة جدا . الأكثر من ذلك فان الشركات الأميركية الكبرى في قطاع الدفاع مثل بوينغ و هونيويل الدولية و لوكهيد مارتن، لديها فرصة للربح من العمل العسكري في سوريا .
بطبيعة الحال فان مئات ملايين الدولارات المطلوبة لهذه الضربة " المحدودة " ستكلف، نظريا، نفقات لا تصل الى النفقات التي خرقت الميزانية في حرب العراق ( 2.2 تريليون دولار ) و افغانستان ( التقديرات بالترليونات و العد مستمر ) . لكن مع استمرار تصاعد الأرقام المأساوية الخاصة بعدد قتلى العنف في سوريا و المنطقة، فعلى الأميركان دراسة كافة تكاليف العمل العسكري .
بطبيعة الحال ، يمكن لتعقيدات الموقف التي ستتكشف في سوريا ان تشكل تحديا لتقييم تكاليف العمل ( السياسي او المادي او غيره ) ، الا ان التكاليف المادية يجب ان لا تغيب عن المعادلة . من جانب آخر، ذكر معهد كاتو ان الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة كتب في 19 تموز 2013 رسالة الى السيناتور كارل ليفن يفصل فيها تكاليف مختلف الخيارات العسكرية في سوريا. كما أوضح ديمبسي الغرض من ممارسة تقييم التكاليف . جاء في الرسالة " ان القرار حول ما اذا كانت القوة العسكرية قرارا سياسيا تأتمنه أمتنا بأيدي القادة المدنيين، فاعتقد بانكم بحاجة الى مشورتي العسكرية عن كيفية استخدام القوة العسكرية من اجل القرار على ضرورة استخدامها .
ان تدريب و مساعدة ثوار سوريا سيكلف دافعي الضرائب الأميركان 500 مليون دولار ، و من هناك سترتفع التكاليف . حيث قدّر ديمبسي كلفة منطقة الحظر الجوي بـ 500 مليون دولار ابتداءً ، لتصل الى مليار دولار في الشهر الواحد . انشاء منطقة عازلة تستطيع فيها قوات المعارضة تنظيم نفسها و التدريب سيتطلب منطقة حظر جوي محدودة ، لكن اذا ما شاركت فيها القوات البرية الأميركية فان التكاليف سترتفع الى اكثر من مليار دولار شهريا. مهمة السيطرة على الأسلحة الكيمياوية في سوريا ستشمل الالاف من قوات العمليات الخاصة ..حيث سيكلف ذلك اكثر من مليار دولار في الشهر ايضا . حتى لو حددت الولايات المتحدة المهمة بالضربات الصاروخية ضد اهداف سورية ، فان التكاليف ستكون بمليارات الدولارات . لكن الشيء الحقيقي غير المعروف هو التكاليف التي يمكن ان تتضاعف اذا ما تعمقت الحرب الأهلية و هذا يمكن ان يشمل ما بعد اسقاط الأسد. لم يحاول ديمبسي ان يقيم التكاليف التي تقع على عاتق دافعي الضرائب اذا ما اشترك الجيش الأميركي في هذه الظروف . لكنه يوصي بان " علينا ان نتوقع و نستعد للعواقب غير المقصودة لأعمالنا "، كما حذر ديمبسي من اننا " يمكن ان نقوّي المتطرفين او نطلق العنان للاسلحة الكيمياوية التي نسعى للسيطرة عليها ". انتقد البعض الجنرال ديمبسي لصراحته في طرح تكاليف و مخاطر العمل العسكري في سوريا . لكن علينا ان نتذكر بان رئيس الأركان حينها الجنرال ايريك شينسكي قد تعرض ايضا للانتقاد لأنه تكهن في شباط 2003 بان الأمر سيتطلب مئات الالاف من الجنود لاستقرار العراق بعد اسقاط صدام حسين ، و بأن تقديرات ادارة بوش للتكاليف كانت غير واقعية تماما . حينها انتقد مؤيدو الحرب تكهنات شينسكي على انها " بعيدة و مبالغ فيها " لكننا اليوم نعلم بان الجنرال كان على حق و ان منتقديه كانواعلى خطأ .
تكاليف إعادة إعمار العراق بعد سقوط صدام كلفت الأميركان 53 مليار دولار من 2003 الى 2012 ، او 15 مليون دولار في اليوم الواحد . و هذا بطبيعة الحال لا يشمل تكاليف المشاركة في الحرب ، منها عندما حوصرت القوات الأميركية وسط حرب أهلية عراقية متعددة الجوانب . التكاليف الكلية للحرب في العراق تجاوزت 1.7 تريليون دولار، و من المتوقع ان تتجاوز 2 تريليون . بناءً على خبرته، يحذر ستيوارت بوين المفتش العام لإعادة اعمار العراق من " اننا سنحتاج الى عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة سوريا كي تبدأ بالتعافي" .
أية تقديرات ضيقة تركز على تكاليف عمليات عسكرية منفصلة في سوريا ستكون مضللة لأنه يجب اجراء بعض الحسابات للثمن الذي سندفعه في حالة الانهيار الكامل للنظام السوري و لأي تعميق للحرب الأهلية هناك .
بهذا المعنى ، يصبح من الواضح لماذا يشكك الشعب الأميركي بالتدخل المقترح في سوريا، خاصة و انه قد تعلّم من تجارب سابقة مشابهة على مدى العقد الماضي . ليس المهم ارتفاع تكاليف العمليات نفسها، لأنها غير مرتفعة ، بل ان العمليات التي ستأتي بعدها هي التي يمكن ان تدمر الميزانية .
عن : بوليسي ميك