TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأردن والمنحة العراقية والإرهاب

الأردن والمنحة العراقية والإرهاب

نشر في: 8 سبتمبر, 2013: 10:01 م

كان مفاجئاً تصريح النائبة العراقية من كتلة الأحرار السيدة مها الدوري، أنّ تخصيص منحة نفطية للأردن مقدارها 25 مليون دولار، يُعد بمثابة "دعم للإرهاب"، كون المملكة تستضيف الكثير من قيادات حزب البعث العراقي المنحل، وكان مطلبها المفاجئ أكثر هو توزيع هذه الأموال على الشعب العراقي، والواضح أن السيدة الدوري "غايبة فيله"، وتجهل أن الأردن كان مستقراً للكثير من معارضي صدام قبل سقوطه، ولم يأخذ بالاعتبار سطوة الدكتاتور، ولا شعبيته الجماهيرية، الناجمة عن ما كان يُعلنه من مواقف قومية، بغض النظر عن صدقها أو ديماغوجيتها، والمدهش أنّ قيادات المعارضة التي اتخذت الأرض الأردنية مُنطلقاً لنشاطها، تصمت اليوم صمت القبور إزاء تهجّمات السيدة الدوري.
تجهل السيدة النائبة على ما يبدو، أنّ الأردن من أوائل الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، وأن الجزء الأهم من موازنة أجهزته الأمنية، مُخصص لمكافحة هذه الآفة، سواءٌ داخل حدوده أو في دول الجوار، ولها أن تسأل حكومتها عن مساهمته في دحر التكفيريين، الذين سيطروا على الأنبار في مرحلة ما، دون منّة أو طلب المقابل، وتتجاهل أنّ الجهد الاستخباري الأردني تحديداً، كان السبب الأول والأخير في القضاء على الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، ودون أن يسمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، فإنه قدم هذه الخدمة المجانية للعراقيين جميعاً دون تمييز بينهم، وهو في الوقت عينه ظل يستضيف ما يقرب من نصف مليون عراقي، يُعاملهم معاملة الأردنيين، من حيث الخدمات والتمتع بالدعم المفترض أنه موجه للمواطنين تحديداً، وليس للمقيمين أو العابرين.
منذ أطيح بمملكة الهاشميين في العراق، وبالرغم من الأسى الناجم عن مجزرة قصر الرحاب، ظلّ الأردن وفياً لعلاقات حسن الجوار مع الشعب العراقي، بغض النظر عن حكامه، ذلك أن حسن الجوار من أساسيات السياسات الأردنية، وحتى بعد إطاحة صدام، الذي كان يقدم للأردن منحةً نفطيةً، تتجاوز كثيراً الخمسة وعشرين مليون دولار، ظل الأردن مُنفتحاً على حكام العراق الجدد، ولنا تذكيرها بأنّ أول زيارة قام بها الرئيس العراقي جلال طالباني إلى خارج العراق كانت للاردن، ولا نُذيع اليوم سراً حين نكشف أن بعض القوات الأجنبية، التي خلعت صدام والبعث، وأحلت مكانهم  السيدة الدوري والذين معها، انطلقت من الأردن، تعبيرا عن القناعة بحق العراقيين في الحرية والديمقراطية والحياة الأفضل، حتى وهو يُدرك أن من سيحل محل صدام، لن يتعامل مع الأردن بنفس الأسلوب ولا بنفس الكرم.
بلغة الأرقام التي طرحتها السيدة الدوري، وكنا نكره ذكرها ونتجنب الحديث عنها تعففاً، يتمتع العراقيون المقيمون في الأردن، وهم عراقيون بغض النظر عن انتمائهم السياسي، رضيت الدوري أو رفضت، بكل الامتيازات الممنوحة للأردني على قلتها، فالعراقي يشتري كيلو الخبز ب 160 فلساً، بينما كلفته على الدولة تتجاوز 350 فلساً، ويتمتع بالكهرباء بأسعار مدعومة بأكثر من ثلثي كلفتها وبالماء المدعوم أيضاً، وأبناء العراقيين يدرسون مجاناً في المدارس الحكومية، وسياراتهم معفاة من الجمارك، وهي تستهلك البنية التحتية لشبكة الطرق، والمستثمرون في مشاريع يعمل بها العراقيون، يتمتعون بإعفاءات تستثير غيرة نظرائهم الأردنيين، وكنا نتمنى لو كانت مطالبة الدوري بتوزيع المنحة على الفقراء والمحتاجين منهم، أو لو اعتبرتها مساهمة في التزام الأردن بهم، دون أن يحاول مرةً واحدة، استغلال وجودهم على أراضيه من النواحي السياسية.
لسنا مع السياسات الأردنية الرسمية تجاه عراق ما بعد صدام، لكننا نأسف لنكران موقف الأردنيين من أشقائهم العراقيين، ونفتش عن عذر للسيدة الدوري، ربما يكمن في جهلها بواقع الأمور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مصطفى كامل

    ولا نُذيع اليوم سراً حين نكشف أن بعض القوات الأجنبية، التي خلعت صدام والبعث، وأحلت مكانهم السيدة الدوري والذين معها، انطلقت من الأردن، تعبيرا عن القناعة بحق العراقيين في الحرية والديمقراطية والحياة الأفضل هذه شهادة يجب ان تكتب بماء الذهب، حفظاً لها من

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram