في الوقت الذي قرأت فيه خبر رحيل الفنان الكبير ناظم رمزي ، شاهدت صورته وهو يجلس ساهما كأنما ينظر الى المجهول ، الصورة والخبر يحملان من المفارقات والأسى بقدر ما حملت حياة هذا الفنان الكبير حيث كانت تتجاذب بين القوة المتناهية اما
في الوقت الذي قرأت فيه خبر رحيل الفنان الكبير ناظم رمزي ، شاهدت صورته وهو يجلس ساهما كأنما ينظر الى المجهول ، الصورة والخبر يحملان من المفارقات والأسى بقدر ما حملت حياة هذا الفنان الكبير حيث كانت تتجاذب بين القوة المتناهية امام الصعاب وفي مواجهة اعتى الأنظمة الدكتاتورية والرقة حين يأخذك الحديث معه فكأنك تجلس في حضرة ذاكرة عراقية ببساطة مفرداتها وبالسخرية المرة التي تختفي تحت الكلمات هكذا كنت أرى ناظم رمزي وانا أخطو أولى خطواتي باتجاه مجلة افاق عربية .. وانا احمل مسودات مقال كتبه المسرحي الكبير حميد محمد جواد عن دستوفسكي ..في ذلك المكان الذي اصبح اليوم جزءاً من ماض جميل شاهدت للمرة الاولى والاخيرة الفنان ناظم رمزي والذي كان آنذاك يشرف على الجوانب الفنية للمجلة .. حيث لفتت انتباهي ملامح وحركات لشخصية ذكرتني بسحر شخصيات سارتر التي كنت مسحورا بها في ذلك الوقت
المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الفنان الكبير عبر صور نشرها الفنان فيصل لعيبي على صفحته في فيسبوك ، شاهدته يجلس في شوارع لم يلفها غريب ومغترب ، وهو يفتش عن مجتمع دافئ ومكان أليف وزمن سوي يعترف بالإنسان والضحك وحرية اللسان وشقاوة الأصحاب وترف الأمسيات.. في سنواته الأخيرة تسكع فناننا الكبير في شوارع الغربة ولم يكن يعرف لا هو ولا نحن محبوه ان النهاية ستكون في سطور قليلة اختتمت بها حياة فنان وانسان رفض الاستسلام وغرد خارج السرب.. في الصور على فيس بوك وانا اطيل النظر لملامح وجهه المحبب الى النفس اقرأ فيه رحلة التعب والمواجهة ممتزجة بأفراح ومسرات الماضي.. تعب في العينين وابتسامة يختلط فيها الحزن والشرود وبساطة ترتفع على التصنع فأغمض عيني وانا أتخيل صوره مع بناة الحركة الثقافية والفنية المعاصرة في العراق .. ها هو ناظم يضع يده فوق كتف جواد سليم وتجده في صورة اخرى يجلس على الارض مع فائق حسن وفي اخرى يقلب كتابا مع جبرا ابراهيم جبرا .. وفي رابعة يمازح محمد سعيد الصكار .. وهذه صورة ينظر الى حافظ الدروبي باسما .. وفي اخريات يتحول محمود صبري ناقدا لاحدى لوحات ناظم التشكيلية .. صور وذكريات مع محمد غني حكمت وعبد الوهاب البياتي وفؤاد التكرلي وكاظم حيدر وعشرات ممن رسموا خارطة العراق الفكرية والفنية
في بغداد الاربعينات كان العراقيون يقفون امام ارشاك او هاكوبيان او ارام حيث يضع الواحد منهم يدك على خدك وبعد يومين أو ثلاثة تتسلم صورة تفوق الأصل بكثير حتى تكاد لا تصدق هل انت صاحب الصورة ام انها لشخص آخر أكثر وسامة ونضارة، ومع ازدهار الصحافة ازدهرت الصورة الفتوغرافية أيضاً وطبعا كان ناظم رمزي هناك لا ينافسه احد ، غير ان ناظم رمزي سيصبح ايضا أشهر مصور وجوه في الصحافة العراقية ..لقد استطاع ناظم ان يلتقط صور هؤلاء الفنانين ويجسدها كلوحة من أغاني الحزن او الفرح العراقي، عميقة الحزن مرة، ضاجة وصاخبة مرة، لتجعل من هذا الفنان اصدق المصورين وأملأهم بالحب، وهو في كل مرة يتعامل مع موضوعه من عدة طرق في وقت واحد، فالتناغم والتقابل والاتساع والإيحاء ما كانت لتتحقق معا لولا تمكن الفنان من أسرار صنعته وقدرته على الارتقاء بالصورة الفتوغرافية الى مصاف اللوحات التشكيلية الحافلة بالمعايير والعناصر الفنية.. يقول ناظم رمزي : ان مهمته هي تصوير النفوس والقلوب والعقول سواء كانت لأناس مشهورين او مغمورين
ناظم رمزي الذي اجمع الفنانون على مناداته بلقب" الاستاذ " تؤكد سيرته وصوره ولوحاته ان له في كل ذرة من أرض العراق لمسة وذكرى وحنيناً.