جمعتني عطلة الأسبوع بعائلة سورية تتواجد في عمان، وبالطبع لم يكن لنا من حديث غير ما يجري في سوريا، وكان الانقسام واضحاً بين الجميع، خصوصاً القادمين من أرض المعركة، إحدى الصبايا تؤيد ضربةً عسكريةً غربيةً لنظام الأسد تقصم العمود الفقري لقواته، وحُجّتها أن السوريين يموتون منذ ثلاثين شهراً بالتقسيط المؤلم، ويغيب عن الأحياء منهم أي أمل بالاستقرار، وليس هناك أفق لتوقف المجزرة المستمرة، وتأمل أن تُؤدي الضربة لحسم الأمور، مع قبول ارتفاع عديد ضحاياها، الذين سيقضون حتماً في حال استمر الحال على ما هو عليه، وتشتكي بمرارة من عدم الاستقرار، بعد هدم بيتهم في الحجر الأسود أولاً وفي داريا ثانياً، ومن حالة التشرد التي يعيشونها، وقد أعدوا حقيبة للطوارئ تكون جاهزة لمرافقتهم، في حال الفرار المفاجئ والاضطراري.
طرفٌ آخر من العائلة يرفض أي تدخل أجنبي في الأزمة السورية، ويبرر رفضه بالقول إن أميركا لم تكن معنية يوماً بعذابات السوريين، وأن تدخلها يهدف الى ضمان مصالحها وأمن إسرائيل والسيطرة على ثروات المنطقة، وينتقد هذا الطرف بشدة ومرارة، تدخل الجهاديين الذين تقاطروا على سوريا من أربع جهات الأرض، ليقيموا في مجتمع علماني بأغلبيته، إمارات ظلامية دكتاتورية تقتل على الشبهة، وتأسر حرية الناس، وتفرق بين المواطنين على انتمائهم الديني أو المذهبي، وتعتبر كل سُنّي لايقف معها ويناصرها، عدواً يستحق العقوبة أكثر من جنود النظام، ومن بين هؤلاء مقاتلون ليسوا عرباً، اعتادوا التحالف مع جهات متناقضة، فهم مرة مع الجيش الحر وأخرى مع جبهة النصرة، وليس بعيداً أن ينتهوا في حضن النظام، مثلما ينتقدون تدخلاً طائفياً يزعم أنه يستهدف حماية المراقد الشيعية، وينفذه قوم لايعرفون شيئا عن خصائص المجتمع السوري.
المُحايدون فضّلوا بقاء النظام، مع اعترافهم بأنه ليس الأمل، وبأنه ارتكب من الخطايا ما يعجزون عن وصفه، لكنه عندهم شرٌ أهون من الفوضى ومن ما هو قادم، ورغم أن هؤلاء حدثونا بحكايات لم نكن نتوقع سماعها، من قبيل دفن النظام للجرحى الأحياء في قبور جماعية بواسطة الجرافات، أو معاقبة المشكوك بتعاونهم مع الثوار، بتقطيعهم بالمناشير الآلية وهم أحياء، ومع ذلك فهم يقبلون باستمرار هذا النظام، شريطة أن يكون مقلم الأظافر خشية المجهول المنتظر، ويخشى هؤلاء في الوقت نفسه من استشراس النظام أكثر، فيما لو أحرز نصراً واضحاً على مناوئيه.
يُقر الجميع بانشطار المجتمع السوري على أسس طائفية، وبتجذر العداء بين السُنّة والعلويين على وجه الخصوص، ويؤكدون أن حرباً ثأرية بين الطرفين ستستمر زمناً طويلاً، حتى لو تم التوصل إلى حلول سياسية للأزمة، كما أن الانقسام غير الطائفي بين مؤيدي النظام ومعارضيه، حتى داخل البيت الواحد، سيسهم في تفكيك العلاقات الاجتماعية إلى مدى طويل، يقولون أيضاً إن الكثير من أبناء الطائفة الشيعية، خصوصاً في منطقة حمص، ظلّوا أوفياء لعلاقة الجيرة الطيبة، التي اعتادوها مع جيرانهم على مدى عقود طويلة، ورغم أن المتشددين التكفيريين يأخذونهم بجريرة مواقف حزب الله والنظام الإيراني المؤيدة للأسد، فإن الأهالي يواصلون التعايش معهم بود وصفاء، ويعتبرونهم شركاء في تلقي الغرم من طرفي الصراع.
النتيجة الطبيعية الواضحة، أن أمام سوريا وقتاً طويلاً جداً لتستقر، وأن أمام المواطن معاناة قاسية لتجاوز آثار الحرب إن توقفت اليوم، فكيف سيكون الحال إن استمرت وقتاً لايعرف أحد مداه الزمني.
كيف يُفكّر السوري
[post-views]
نشر في: 9 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
كمال محمد
بعد التحية أنها الفوضى الخلاقة التي تسعى الإمبريالية الأمريكية لها من اجل ان يختلط الحابل في النابل و إضاعة البوصلة الثورية من يد الجماهير . ووضع عراقيل جمة في وحق القوى الثورية التي لم تستفيق بعد من الضربات التي تلقتها من الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة