انه متفائل بما يسميه "نقاشات داخلية عميقة" تشهدها كثير من الاحزاب الشيعية، باتجاه بلورة مبادئ جديدة معتدلة. وأن الحاجة الى مراجعة وسياسات مختلفة، ليست بمعزل عن تأكيد الاطراف العراقية الاخرى استعدادها لدخول فصل جديد، فشريحة واسعة داخل مراكز القوى اخذت تشعر بأن ثمن الاخطاء يتضاعف، وأن الاستمرار في الخضوع لتوجهات تنقصها الحكمة، او تفرضها حسابات الخارج، يهدد بزوال ضمانات الاستقرار، وأن الاحتراب الداخلي انهك الجمهور وجعله لا يستثني احدا من اللعن والنقمة.
الشيعي "النافذ" هذا يبدو مقتنعا بأن "كبار المتطرفين" من كل الجهات، باتوا يواجهون "هزيمة في عقر دارهم". واذا لم يمتلكوا جرأة الاعتراف، فذلك لارتباكهم وشعورهم بأنهم "اوراق محترقة" تخضع للاستبدال، لكن "هزيمة التطرف" تشجع الاخرين على اعادة تعريف اهمية ان نضع حدا للمواقف المتصلبة!
اسأله: عن اي هزيمة للتطرف تتحدث ونحن في ذروة ذبح الجميع للجميع، حسب التوقيتات الاقليمية، وكيف تحسب هذه اللحظة السوداء وقتا يناسب الاحلام؟ فيجيب: لم يكن ممكنا ان نصل الى لحظة الصلافة السوداء هذه لولا شعور قادة التطرف بأنهم يفلسون، ولذلك قرروا خوض "معركتهم القصوى". هو مؤمن بأن التصعيد بين الطوائف مجرد انتحار للفكر المتشدد، ويدعوني للانتباه الى ان هذا يشجع كل المترددين، على ادراك ان التطرف والحمق طريق مسدود وجنون يتلاعب بالموازين الطبيعية.
الرجل يعتقد اننا نمر حاليا بلحظة فراغ او "خلأ"، وفي وسعنا القول انها لحظة "تسليم وتسلم" بين التشدد والاعتدال. الحوادث الاشد ايلاما تحصل بسبب هذا الفراغ والخلأ، فهو لحظة عجز للتطرف والعقلانية في آن واحد، ولا احد يمسك بزمام المبادرة. لان التشدد يضعف وتنفد اوراقه وينفضح، وهو عاجز الا عن مواصلة الذبح البدائي. وفي الوقت ذاته فإن الاعتدال لم يكتمل بعد ولم يأخذ شكله النهائي، ولم يستوف التأييد الشعبي بما يكفي، وهذا يعني ان المعتدلين لم يحصلوا على القوة اللازمة بعد لإحداث تغيير كبير، لكنهم يوشكون على ذلك.
انه تيه سياسي تمر به امم كثيرة، ولا احد قادر خلاله على حسم شيء، والامم الذكية تجد الشجاعة لتقليص عمر التيه. لقد اختطف القرار الشيعي والسني طوال سنوات، بيد متشددين يورطون الطوائف بقمار بدائي. وفي وسعك الحديث مع ممثلي المجتمع ورجال الاعمال والطبقات المتعلمة، في البصرة والحلة ونينوى، وسواها، لتجد انهم ملوا الارتهان لارادات تقامر بمصيرهم، وآمنوا بأن الصلح الكبير سيحول دون الفناء، وأن استهتار الخارج بالداخل لابد ان يتوقف، لان العراق يمتلك استقلالية تاريخية واقتصادية تؤهله لبلورة موقف خاص واجراء مراجعة. ان هذا يحظى باهتمام جميع النافذين اليوم!
الرجل يصر وهو يتحدث من مدينة بعيدة، على ان يرى التشدد وهو يسقط، وأن الناس ينتظرون فرصة لعبور كبير. فالسقطات الكثيرة للراديكالية تضعنا امام خلأ ما، او في زمان ثقافي يمثل لحظة فراغ تسبق "التسليم والتسلم" بين التطرف والعقلانية. وإذا لم ينجح المعتدلون في وقف الحرب فإنهم سيديرونها بشكل متحضر محسوب على الاقل.
يقول انه يقتبس فكرة "الفراغ" عن مباحث لذيمقرطيس اليوناني الذي سبق سقراط وورث ثروة طائلة أنفقها في التجوال بين بلدان الشرق، فحاور "الفلاسفة العراة" في الهند، ثم أفتى بأن خلق الكون بدأ بتصادم الذرات في الخلأ والفضاء، اذ تتباعد بفعل اختلافها وتتجاذب بفعل تماثلها. ولأن الخلأ لانهائي، فالأرجح أن هناك أكواناً ومصائر أخرى غير هذا.
يقول صاحبنا: هناك دوما فضاءات وسيناريوهات وتصادمات اخرى للعبة، غير تلك التي يثبت فسادها اليوم. التشدد وجه مبدد وممل للحقيقة، وقد حان الوقت كي نقيس قوتنا بنحو متحضر، وننقل المعارك بعيدا عن هذه المدن المتعبة!
"تشات" مع شيعي نافذ
[post-views]
نشر في: 9 سبتمبر, 2013: 10:01 م