دعاة تحقيق المصالحة الوطنية من مسؤولين حكوميين ، وزعماء عشائر ، وبعض قادة الصحوات المطيعين لاوامر الحكومة ، يدافعون عن المشروع بمواقف تشبه جهاد الصحابة الاوائل ، فهو باعتقادهم وتصوراتهم ،حقق اهدافه بتوطيد السلم الاهلي ، واسهم في حصر السلاح بيد الدولة ، وقضى على ما تبقى من المليشيات والخارجين عن القانون ، واقنع العشرات من الفصائل المسلحة بـ"الانخراط" بالعملية السياسية ،فاعلنت نبذ العنف والايمان المطلق بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، والدنيا ربيع والجو بديع .
ما شهدته مناطق متفرقة خارج العاصمة بغداد مؤخرا وخاصة في ناحية اللطيفية وهور رجب في الدورة والمحمودية ، من عمليات تندرج ضمن حالات القتل على الهوية فضلا عن اغتيال عدد من رجال الدين في البصرة ومدن اخرى ، يعطي صورة حقيقية عن مشروع المصالحة الراقد في حاضنة الاطفال الخدج ، ولذلك طالبت اوساط شعبية وسياسية الحكومة العراقية باعادة النظر في اجراءاتها المتعلقة بتحقيق مشروع المصالحة لاعتقادها بانه فشل في الحد من اعمال العنف ، فسماع اصوات التفجيرات في بغداد وغيرها من المحافظات وبشكل شبه يومي ، اثار التساؤلات حول الجدوى من المشروع، والسلم الاهلي مهدد بحماقات عناصر مسلحة ، اعتنقت الدوافع المذهبية لتاكيد وجودها وحضورها بمزاعم الدفاع عن فئة على حساب اخرى ، في ساحة مضطربة سياسيا وامنيا ، فالناشطون المدنيون يرون المشروع حبرا على ورق والواقع يشير الى ارتفاع ملحوظ بوتيرة العنف ، وفتح صفحة القتل على الهوية .
انطلق مشروع المصالحة الوطنية بمباركة اميركية بمطالبتها الحكومات العراقية المتعاقبة بالانفتاح على جميع الفصائل المسلحة لاقناعها بالمشاركة في العملية السياسية ، وعقدت مؤتمرات ومهرجانات واقيمت عزائم وولائم لمناسبة اعلان فصيل مسلح "الانخراط" بالعمل السياسي ، وهذا المشهد الاحتفالي المتكرر طيلة السنوات الماضية وحتى الان، لم تنعكس اثاره الايجابية على الواقع الامني ، على الرغم من انفاق ملايين الدولارات .
ضمن اجراءات ترشيق الحكومة الحالية ، تم الغاء وزارة الدولة للمصالحة الوطنية واستحدثت مستشارية لهذا الغرض، اسندت لعامر الخزاعي ، وفي اخر تصريح له ردا على سؤال يتعلق بتاثير المصالحة في ضمان استقرار الاوضاع الامنية قال :"مع استمرار العمل بمشروع المصالحة الوطنية تحصل تفجيرات ، وهذه المسالة تتعلق بنشاط حزب البعث وتنظيم القاعدة ، وبرغم ذلك حصل تحسن امني لا يمكن مقارنته باحداث العنف في سنوات سابقة والمشروع مستمر واستطعنا ان نحث فصائل كثيرة على المشاركة في العملية السياسية اعلنت تخليها عن السلاح بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق ".
ملف المصالحة وبحسب المعنيين بهذا الشأن خضع لادارة حكومية فتم استبعاد دور منظمات المجتمع المدني وفي ضوء ذلك دعا النائب السابق هاشم الطائي الى اختيار شخصيات مستقلة لادارة ملف المصالحة ، وهو يرى ان المستشار الحالي لايستطيع ان يحقق اهداف المصالحة :" الخزاعي ينتمي الى حزب الدعوة وليس من الحكمة ان يشغل هذا المنصب لانه منحاز سلفا الى جهة معينة".
رجال المصالحة ودعاتها المصرين على وجودها منذ سنوات في حاضنة الخدج ، عليهم ان يراجعوا حساباتهم ، وليس المقصود الحسابات المالية ، لبيان ما حققته من نتائج على ارض "الحقيقة والواقع" من "انخراط " ، لتبديد مخاوف العراقيين من فتح صفحة القتل على الهوية ، وعودة نشاط دائرة الطب العدلي .
المصالحة واخواتها
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2013: 10:01 م