TOP

جريدة المدى > سينما > الدراما العراقية.. مسلسلات لإرضاء الفضائيات وتعذيب المشاهد

الدراما العراقية.. مسلسلات لإرضاء الفضائيات وتعذيب المشاهد

نشر في: 11 سبتمبر, 2013: 10:01 م

ما قدمته الدراما العراقية هذا العام أكد أنها ما زالت تراوح في مكانها بين  توجهين ، تصر الفضائيات المنتجة على التمسك بهما, وهما السياسة والكوميديا الهزيلة, ظنا منها أن تلك المواضيع تعجب الجمهور وتدغدغ مشاعره وتجذبه للمتابعة . وفي كل رمضان يدعي ال

حميدة العربي

ما قدمته الدراما العراقية هذا العام أكد أنها ما زالت تراوح في مكانها بين  توجهين ، تصر الفضائيات المنتجة على التمسك بهما, وهما السياسة والكوميديا الهزيلة, ظنا منها أن تلك المواضيع تعجب الجمهور وتدغدغ مشاعره وتجذبه للمتابعة . وفي كل رمضان يدعي القائمون على الدراما أن انتاج هذا الموسم هو الأهم والأفضل بل يتوهم البعض ، منهم ، أن الدراما العراقية تطورت كثيرا هذا العام ! .. وحسنا فعلت بعض الفضائيات بالتوقف عن الانتاج هذه السنة واكتفت بأعمال مؤجلة من رمضان الماضي مثل قناة الشرقية التي عرضت مسلسل (م .م ) وقناة البغدادية قدمت مسلسل (علي الوردي ) فيما اكتفت قناة السومرية بعرض الأعمال العربية . أما قناة العراقية ( الرسمية ) فقد بالغت بالانتاج هذا العام بتقديم ستة مسلسلات مرة واحدة منها أثنان لمؤلف واحد ( باسل الشبيب ) تناول فيهما  الموضوع المفضل لدى القناة وهو مساوئ النظام السابق وهما ( المدينة ) و ( رباب ) أضافة الى مسلسل ( حفيظ ) حول أسطورة تل حفيظ  في أهوار الجنوب و مسلسل هزلي ، هزيل ، عنوانه ( ريم و رحيم )..أما مسلسل ( التيتي ) فهو اجترار لافكار وشخصيات قدمها الفنان قاسم الملاك على مدى السنوات الماضية ، مع تغيير وسيلة النقل التي يستعملها .
وبرغم أن بعض الأعمال قدمت أفكارا مهمة الا أن بناء السيناريو الركيك والمعالجة السطحية والحوار الرديء والانتاج الفقير عادة ما يضعف الفكرة ويقلل من أهميتها وهكذا جاءت النتيجة في أعمال عديدة مثل مسلسل (م .م ) الذي تناول ظاهرة زواج المتعة والمسيار وعملية المتاجرة بالفتيات الصغيرات خصوصا نزيلات ملاجئ الأيتام ، وتم التركيز فيه على عملية المتاجرة بالفتيات فقط. دون التطرق الى المعاناة اليومية التي تعيشها تلك اليتيمات داخل جدران الملجأ حيث يتم اضطهادهن وقمعهن واستغلالهن في أعمال شاقة  وحرمانهن من أبسط الحقوق والمتطلبات الحياتية أضافة الى بيعهن ، ضمن صفقات ، تحت يافطة الزواج . ففي كل مشاهد الملجأ تظهر الفتيات جالسات دون عمل أو اهتمام بانتظار أن يهيئوا أحداهن و يزوجوها لشخص ما ، وركز الاهتمام على بيوت الأشخاص الذين يستغلون هؤلاء الفتيات . ولم ينوه المؤلف، عبد الخالق كريم ، الى عائدية ذلك الملجأ الذي تدور فيه الأحداث ، أهو للدولة أم للجمعيات الخيرية أو الدينية ؟ لكي يتضح أن كان الموضوع  تحت ظل الدولة أو محصور ضمن دائرة محدودة بعيدة عن الرقابة والقانون . وظهور شخص خلفه علم لا يعني أنه مسؤول كبير .. أو أن الدولة  طرفا في ذلك . وكان خط طلبة الجامعة أكثر الخطوط رداءة من حيث فبركة الأحداث وأداء الممثلين والحوار الهابط ( والسمج أحيانا ).  أما مسلسل علي الوردي الذي تناول سيرة عالم الاجتماع العراقي د . علي الوردي فقد تميز بسيناريو تقليدي ومعالجة سطحية افتقدت العمق الذي ميز أفكار الوردي .. وخلا من المواقف المهمة التي شكلت أساس حياة ذلك العالم فقد ذكرت أغلب الأحداث وأهمها بطريقة إخبارية يتذكرها الوردي ( الشيخ ) أو تأتي على لسان احدى الشخصيات وتم التركيز على أمور ثانوية وهامشية . وبدا الوردي -  في أغلب المواقف -  خارج الأحداث ، مراقبا أو متفرجا واهتم المؤلف ( عباس علي ) بالشخصيات الثانوية أكثر من البطل, مثل أصدقاء الوردي ( جمال وهادي وعادل ) وحتى في موضوع مقاطعة والده له ركز على الوالد وليس على الوردي نفسه . وكان الأجدى بالمؤلف أن يحول خلاف الأب مع الابن الى صراع فكري وايديولوجي بين الأجيال , والذي ظل محتدما لحد الآن , وأن يركز على معاناة الوردي مع المعارضين لأفكاره والمهاجمين لكتبه. وقد ظهر الوردي جادا وجافا وثقيل الظل وليس لأفكاره أي تأثير على حياته وعائلته أو المحيطين به مع ذلك بالغ المؤلف في إظهار إعجاب الفتيات به ( وليس بأفكاره )  في بيروت ولندن وأمريكا !
كما لم يعط اهتماما أو تركيزا على أدبيات الوردي وتأثيرها على الناس وردود أفعالهم حولها والتي أثارت جدلا واسعا ، في حينها ، وخاصة كتابه ( وعاظ السلاطين ) الذي أثار ضده رجال الدين والسياسيين والعامة وهدد بالقتل ، فقد  حصر المؤلف ذلك الحدث بين أصدقائه ومعلميه الذين أخبرونا أن الناس مستاءة ومستنكرة لما يكتبه وكان بامكانه اغناء ذلك  الحدث وجعله محورا لعدة حلقات يستعرض فيها الجدل والنقاشات التي دارت  في الأوساط  الثقافية والشعبية بين مؤيد ومعارض لأفكار الوردي وطروحاته ، مما حدا بأحد شيوخ الدين الى دعوة الوردي الى مناظرة بينه وبين خصومه تعد من أهم الأحداث في حياة الوردي بتلك الفترة , ألا أن المؤلف مرر ذلك الحدث المهم بمشهدين فقط ، الأول بتعليق اعلان عن المناظرة والثاني للوردي يتمشى مع زميله يخبره بانتصاره على خصومه في تلك المناظرة . كما أن بعض الأحداث تذكرها الوردي ولم يكن حاضرا عند وقوعها مع ذلك أوغل المؤلف في تفاصيلها كحكاية الشقي حسن كبريت وكذلك المبالغة في هوس المطربة عفيفة أسكندر بعلي الوردي وكتبه ! ولم يهتم أحد  لظهور أزياء 2013 في  الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي!
وقدمت قناة الرشيد فكرة جميلة أعادت تجسيد بعض الحكايات العالمية واشهر قصص الكارتون مثل سندريللا وبيضاء الثلج وسازوكي وغيرها ، ألا ان المعالجة الكاريكاتورية والحوار الهابط ، والسوقي أحيانا، أديا الى تسخيف الفكرة و افراغها من محتواها الدرامي والجمالي.   
أما قناة العراقية فقد عرضت من ضمن مجموعة مسلسلات سيلا  من العنف والتعذيب يعرض بعد الافطار ويعاد وقت السحور وهو مسلسل ( رباب ) الذي امتلأ بالحزن والبكاء ومشاهد العنف والتعذيب فكانت الحلقة الواحدة عبارة عن مجموعة مشاهد متتالية كالاتي : مشهد تهديد ثم مشهد اعتقال أو اقتحام  عنيف يليه مشهد تعذيب أو قتل وبعده بكاء وعويل ثم حزن ونكد، ثم تعاد الكرة.. وعلى مدى ثلاثين حلقة . وكانت الحلقة الأخيرة عبارة عن مجزرة قتل فيها كل أبطال المسلسل ما عدا الشرطة وكاتب المذكرات ، الذي لا ندري كيف نجا ولماذا ؟  لذا بدت الاعلانات هي اللحظات المريحة ، الوحيدة ،  بين مشاهد المسلسل . ويتضح من هذا أن الهدف هو إظهار بشاعة الأفعال وليس عرض الحقيقة بصورة موضوعية وأسلوب فني . ويعد هكذا عمل من أهم الأعمال بالنسبة للقائمين على هذا النوع من المسلسلات لأنه ، برأيهم ، يوثق لممارسات النظام السابق. فقد تناول مسلسل( رباب ) قضية تهجير الكرد الفيلية، مع أن مأساة رباب ، شخصيا ، استندت الى عملية انتقام شخصي من ابن عمها ضابط الشرطة - لأنها رفضت الزواج منه أيام شبابهما - والذي أستغل قرار التهجير للتنكيل بابنة عمه وعائلتها . والمفروض أن يتم تناول هكذا احداث بعد مرور فترة زمنية مناسبة ( لا تقل عن عشرين سنة ) حيث تكون الأجيال الحالية قد نسيتها والأجيال اللاحقة لم تتعرف عليها فيتم تناولها للتذكير والتعريف . أما أن تنتج وتعرض على الناس الذين عاصروها وعايشوها وعانوا منها فهي عملية اعادة  لفتح الجروح وتعذيب نفسي غير مباشر للمشاهد . لقد أصبحت مواضيع العنف والقتل والحزن هي المفضلة لدى الفضائيات العراقية المنتجة . ولكي يخففوا من قتامة تلك الأعمال يعمدون الى أنتاج أعمال تهريجية ، تافهة ، تسمى كوميديا .. لا يعرف لها معنى أو هدف تثير السخرية والاسف وليس الضحك مثل مسلسل ( ريم و رحيم ) و ( عصابجيه ) .  لكن يبقى أهم ما ميز مسلسل رباب هو أداء الممثلين المتميز وخصوصا حضور الفنان المسرحي عزيز خيون بهدوئه وأدائه الرصين والذي شكل تناغما فنيا جميلا مع الفنانة آسيا كمال .
أما الديكور ، وفي أغلب المسلسلات ، فهو عبارة عن تكديس للأثاث والمفروشات المستعملة، ينقصه الكثير من التناغم والتناسق واللمسات الفنية . وكذا يقال عن المكياج ، خصوصا في الأعمال المنتجة في الداخل .
المسلسلات العراقية التي عرضت خلال شهر رمضان هذا العام لا تسر العين بصورة جميلة ولا تغني المشاعر بأحاسيس انسانية رقيقة ، جمعها قاسم مشترك واحد هو الحزن وميزتها الكآبة ، علامتها الفارقة فقر الانتاج والروح الاجتماعية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد عارف

    رائعه ست حميده , معجب جدا بنقدك للاعمال الفنيه التافهه التي تعرض على الشاشات العراقيه . من حسن الحظ انني افهم اللغه العالميه حتى اتمكن من مشاهدة اعمال تستحق المشاهده .....

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram