يأتيني الآن صوت صديق فاضل من البصرة، مليئا بالألم: "قتلوا عضو مجلس بلدي في أبي الخصيب من اتباع المذهب الحنفي. سلسلة الاغتيالات تكبر لممثلي إخواننا في الخلق والدين من مذهب أبي حنيفة. أبو الخصيب وادعة تستلقي بهدوء بين نهر السراجي وباب سليمان، ومؤلم لكل المذاهب ان ترى فيها موتاً، افعلوا شيئا. الإشاعات تكبر والناس يشعرون ان الثأر الطائفي مما يجري حوالي بغداد، ينتقل هنا".
وماذا في وسعنا نفعل أيها الصديق، فحمقى الطائفتين باتوا أصحاب الصوت الأعلى، والتلاعن على قدم وساق، وهناك جيل من الفتيان عند أهلنا هؤلاء، وأهلنا أولئك، يجندون خدمة للذبح المقدس، والعقلاء يطلبون الصبر، ريثما "ينتحر التشدد" وتحين الفرصة لظهور العقلانية السياسية!
ولكن هل يمكن للعقلانية ان تتبلور، بينما يشعر عرابو القوائم الانتخابية، على نحو ما فصلت في مقال الأمس، بأن في وسعهم اختيار شريحة واسعة من عديمي الكفاءة، لتمثيلنا في اعلى المناصب التنفيذية وملء مقاعد البرلمان؟ وليس المقصود هنا ان المؤسسات تخلو من كفاءات وعقول نظيفة وأرواح تتحلى بالشهامة والجرأة، لكن منطق الحمق ونقص الحكمة غطى عليهم، لان عَرّابي قوائم الانتخابات، لم يمتلكوا احتراماً كافياً للجمهور، فدفعوا بشريحة واسعة من ناقصي الأهلية، الى مؤسسات الدولة، ظنّاً بأن الجمهور سيرضى بالهين والضعيف، طالما باركته مشيئة القيادات العليا. وحين يرضى الجمهور بالبسيط والسطحي، فلماذا تُدوخ القيادات رأسها بالعمل مع مرشحين ذوي كفاءة ورجاحة عقل، يناقشون الصغيرة والكبيرة، ويدققون ويطرحون أفكاراً مكلفة لنهج "الحزب والثورة"؟
وهل تنتج عن هذا سوى جرعة رهيبة من الفشل، تتخلل قراراتنا وطريقة تناولنا للخلاف، وتنزل بالسياسة ومنطقها ومستوى صراعاتها، الى الدرك الأقصى من العالم السفلي؟
قلت امس، كما قال غيري، ان روح النقمة والاحتجاج قد تشجع القادة الكرام، على ان يشعروا باحترام اكبر، لنا نحن الجمهور، فينفقون وقتاً أطول في اختيار ممثليهم، ويعثرون على عدد معقول من الكفاءات، يعزز الأقلية الخبيرة المحاربة والمعزولة، داخل البرلمانات ومؤسسات الدولة. وكما تحمل القادة آثاراً مدمرة نتيجة حماقات ممثلين عديمي الكفاءة، فسيمكنهم إرضاء الجمهور وتحمل "روح الفضول والاعتراض" لدى الشخصيات الأكثر كفاءة والذين نتمنى ان يزداد عددهم ويعلو صوتهم في برلمان ٢٠١٤، كي لا نواجه نقص المنطق والحكمة عند نواب بسطاء جرى توريطهم بدور سياسي في كل الأحزاب.
يقول احد المعلقين الظرفاء ان المشرع يضع كوتا للنساء والأقليات، ولأن المرشحين ذوي الكفاءة أقلية، فلماذا لا نشرع كوتا لهم في مؤسسات التشريع والرقابة؟ وأحسب ان هذا اقتراح معقول، قد لا يقره برلمان او صفقة، لكن في وسع الكتل التي "تساند الإصلاح والمراجعة"، ان تلتزم به وتتعهد بوضع كوتا داخل قوائمها، للكفاءة والخبرة بمعايير الزمان الحديث.
وكي لا يبدو كاتب السطور كمن يدعي في نفسه كفاءة ويطالب بكوتا لشخصه، فإنني لا أصلح لنيابة ولا منصب تنفيذي، لأسباب "قانونية وصحية"، صنعتي الوحيدة التي أتعلمها منذ نعومة أظفاري، هي الكتابة والجدل وسوق النشر، وأنا مؤمن بأن في شباب هذه البلاد وفي المهاجر، عقولاً وخبرات يمكن ضمها الى القوائم التي تحلم بالمراجعة والتغيير.
حينها سأقبل حتى ان تكونوا طائفيين، وسأتغاضى حتى عن بعض معايير النزاهة، وسأغض الطرف عن كثير من الأخطاء، تحت شعار: ان أخطاء الخبير العارف الحكيم وصاحب التدبير، أهون عليّ وعلى المستضعفين والمساكين، من أحمق بسيط يبلغ به الفشل منتهاه ويورطه في فتح كل أبواب الشرور والحماقة، دون خبرة في قواعد إغلاقها وردم فجواتها.
التزموا أمامنا بكوتا لأهل التدبير والخبرة، ممن في وسعهم إطفاء حرائق الفتن والعجز والخراب، ولكم منا دعم منقطع النظير، وبيعة مشروطة، على طريقة الأقدمين، والا فإن النقمة لن يردعها رادع، والفوضى لن يصدها صاد، وآلهة التاريخ تبدو مؤخراً، طاعنة في السن وضجرة، ومنزعجة من كل شيء.
كوتا للكفاءات في البرلمان
[post-views]
نشر في: 11 سبتمبر, 2013: 10:01 م