عباس مزهر السلاميبداية لابد لي من أن أشير الى أن موضوعة النمطية في الشعــــر لايمكن تغطيتها بمقالة موجزة كالتي بين أيديكم سادتي، لكنني سأتطرق لها لنتلمس سويةً ما تعنيه،ليس من الصعب على الذائقة الشعرية أن تستكشف الجب الذي انحدرت، ومازالت تنحدر ن
عباس مزهر السلامي
بداية لابد لي من أن أشير الى أن موضوعة النمطية في الشعــــر لايمكن تغطيتها بمقالة موجزة كالتي بين أيديكم سادتي، لكنني سأتطرق لها لنتلمس سويةً ما تعنيه،ليس من الصعب على الذائقة الشعرية أن تستكشف الجب الذي انحدرت، ومازالت تنحدر نحوه الكثير من النصوص الشعرية مرغمة أو طائعة،حتى تبدو تلك النصوص( بكل الأشكال التي كُتِبَت بها) وهي مستقرة في قرارة ذاك الجب متساوية في شعريتها، وكأنها منسوبة لمصدر شعري واحد،فما أقصدهُ بالجب هو النمطية ، تلك التي تعني ببساطة الحركة الكسيحة للشعر،ولا أعتقد أن هناك أقسى على الشعر من النمطية،تلك التي تجعل منهُ كائناً هزيلاً يدور حول نفسه وليست لهُ القدرة على الاقتراب من الآخر والسيطرة على عواطفهُ ، ومن ثم محاورته،ولا فرق هنا بين شكل شعري وآخر ، فالشاعرُ حتى لو تمثل بالحداثة، ونأى بأدواته عن استخدام عناصر الشعر المعتادة، فإنهُ سيقع في نمطية تبدو في الظاهر مغايرة لنمطية قصيدة الوزن بأشكالها المعروفة،ولكنها تشابهها،في شعريتها الواهنة، وعدم مقدرتها على التحرك شعرياً من أجل بلوغ ما يريد الشعر الحقيقي قوله، والسبب هو أن الكثير من النصوص سواء كانت نثرية أو مفتوحة،موزونة كانت أو يموسقها الإيقاع الداخلي ، تشدّها الى النمطية،سماتٌ أربع يمكننا أن نحددها بما يلي : اسلوب الكتابة،الصوت الصاخب، انثيالات الذات ، وتغليب السرد في النص الشعري، ولابد لنا هنا من تناولها بايجاز ،فاسلوبية الكتابة تعني تشكيل النص، أي مجاورة المفردات واستحداث علاقة فيما بينها تشي بانتاج دلالات جديدة تؤدي غرضها المهم في اكتمال المضمون الذي لا دور لهُ في النأي بالنص عن السقوط في النمطية، فالنص مرهون بالدلالات ،فيما لو كانت تحاكي فاعلية المفردات التي تشكِّل قاموس الشاعر اللغوي، في ابتكار صور شعرية جديدة. على عكس ما نادى به دعاة قصيدة الشعر في أن النص الشعري هو نص رؤيا لانص صورة.
في أحايين كثيرة يلعب الصوت الصاخب للشاعر في تحريف النص ، حتى ليبدو النص في حالة كهذه كالهتاف، ويكون في لحظتها كلاما صادرا من فورة انفعال، غالبا ما يحاول الشاعر أن يتشبث باللغة علّها تستوعب انثيالاته المتدفقة ، نتيجة استنفار الذات الشاعرة ومحاصرتها، والضغط عليها ،فتراه يزج بالصور الشعرية ، وهنا لا بد من الإشارة الى حالتين يمارسهما الشاعر، الحالة الأولى إما أن يعمل على تضخيم الصورة بحيث تطفح عن إطارها الشعري ،والحالة الثانية يضخ الصور الشعرية ، صورةً فوق صورة ، حينها تتزاحم الصور، فينفرط عقد النص، عندها سيتوه ،ويسقط في جب النمطية.أما تغليب السرد في النص ،يكاد يكون صفة ملازمة للكثير من النصوص الحديثة،والسرد بطبيعته، يختزل الشعر في النص،و لا يمكنهُ أن يحرك النص شعرياً لما يتضمنهُ من مفردات ينحسر فيها الإيحاء، وينعدم فيها الترميز، لكونها تتناول الرمز مباشرة،
من هذا نقول ، لكي يبقى الشاعر على علاقة حميمة مع الشعر، عليه أن يُبقي على حروفه ممسكة بالمفارقة، سابحة بماء الدهشة،شاخصة للخيال، ليجتاز بها عباب النمطية، ليعبر ، ويصل (لاشك في ذلك ) الى فضاءات الشعر المترامية. فالشعرُ كائنٌ يستمد حياتهُ من الخيال، ينمو في عمق المفارقة،ويسمو بالدهشة.