TOP

جريدة المدى > عام > القصيدة الأخيرة له تزين متحف الذاكرة في سانتياغو وأغانيه اللاحقة تنبأت بالكارثة

القصيدة الأخيرة له تزين متحف الذاكرة في سانتياغو وأغانيه اللاحقة تنبأت بالكارثة

نشر في: 15 سبتمبر, 2013: 10:01 م

حين ذهبت جوان جارا كي تتعرف على جثة زوجها فكتور وجدته مغربلاً بـ44 رصاصة وملقى بين صف من الجثث المجهولة في سانتياغو. كان رسغ الشاعر ورقبته مكسورين. بينما بطنه مبقورة بفجوة كبيرة. إن ذكرى ذلك المشهد المقيت بعد الانقلاب التشيلي في 11 أيلول عام 1973 ما

حين ذهبت جوان جارا كي تتعرف على جثة زوجها فكتور وجدته مغربلاً بـ44 رصاصة وملقى بين صف من الجثث المجهولة في سانتياغو. كان رسغ الشاعر ورقبته مكسورين. بينما بطنه مبقورة بفجوة كبيرة. إن ذكرى ذلك المشهد المقيت بعد الانقلاب التشيلي في 11 أيلول عام 1973 ما زالت مؤلمة بالنسبة للسيدة جارا لكنها ليست القضية الأولى في بليتها. الرجل الرئيس المشكوك به في القتل هو ضابط سابق في الجيش التشيلي يدعى "بيدرو بارنتوس" إذ لا يزال حياً وطليقاً في الولايات المتحدة وحصل على الجنسية الأمريكية من خلال الزواج. 

الآن بدأت الحملة من أجل تسليم هذا المجرم لبلده تتقدم خطوة للأمام بعد أن تسلم"بارنتوس" ، الذي يعيش في فلوريدا، دعوى قضائية في الولايات المتحدة تتهمه بالتعذيب والقتل دون محاكمة وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. 
إنها ليست رحلة البحث الوحيدة في تشيلي التي ترجع إلى الأيام والأسابيع والسنوات المعتمة التي تلت انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيت على الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي. وقد تم إعدام الآلاف أو اختفوا وجرى تعذيب الآلاف بعد ذلك الانقلاب الذي ساندته المخابرات الأمريكية. 
لكن جارا – المغني الشعبي والمخرج المسرحي والسفير الثقافي لحكومة الليندي- يبقى الضحية المعروف المثير للجدل والرمز القوي لأمة ما زالت تصارع كي تتصالح مع نفسها أكثر من عقدين منذ عودة الديمقراطية. 
القصيدة الأخيرة له – هربت من الملعب الذي احتجز فيه وقتل- تزيّن مدخل متحف الذاكرة في سانتياغو. وثمة صور لوجهه ولافتات يحملها الجيل الجديد من المحتجين الطلبة مع موسيقى سوف تعزف في محطة الإذاعة وفي النوادي الشعبية بينما الأمة تتذكر اضطرابات الانقلاب. 
ولد جارا في 1932 في عائلة ريفية فقيرة إذ تعلم التقاليد الشعبية التشيلية من أمه. وقد أجاد العزف على الغيتار والبيانو وطور له مكانة كمغنٍّ وكاتب أغنية وممثل رئيس في حركة "الأغنية التشيلية الجديدة". وقد التقى بالراقصة جوان المولودة في بريطانيا عام 1961 حين كانت تدرس في جامعة تشيلي. وتتذكر قائلة" جاء ليراني مع بطاقة صغيرة من الزهور التي ربما قطفها من الحديقة لأنه لم يكن لديه مال". 
وقد أهمل جارا المسرح عام 1970 ليركز على الموسيقى ويقود حملة من أجل الليندي وينظم الحشود ويعزف مجاناً في الحفلات الموسيقية ويكتب الأغاني عن الظلم الاجتماعي وحياة الناس التشيليين. 
فاز الليندي بالانتخابات لكنه واجه عداوة من اليمين التشيلي والحكومة الأميركية حتى قبل أن يتسلم السلطة في أكتوبر عام 1970. 
وتدل وثائق رسمية أميركية غير مصنفة من تلك الفترة على أن المخابرات الأمريكية خططت للانقلاب حالما فاز الليندي بالانتخابات. وحين تم إسقاطه فإن وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت هنري كيسنجر تحدث عن الضغط السرّي التي مارسته واشنطن قائلاً للرئيس ريتشارد نيكسون :" في فترة حكم أيزنهاور كنا سنكون أبطالاً". 
وكونه صوتاً لليسار فقد كان يتلقى تهديدات بالموت. تقول زوجته جوان:" كانت أغانيه الأخيرة إلى حد ما تنبؤية بشكل غريب. عرف فكتور ما كان قادماً". 
وفي يوم الانقلاب كان "جارا" على موعد مع حفلة في الجامعة التقنية العامة إذ كان الليندي يخطط ليعلن عن استفتاء عام. ولم يحدث ذلك. وانتشرت الإشاعات بأن العسكر سوف يتدخل لكن العنف الذي طال العديد أصاب الجميع بالمفاجأة. 
المرشحة الحالية للرئاسة ميشيل باشيليت التي كانت حينئذ طالبة مقاتلة تستذكر والدها وكان جنرالاً في القوة الجوية، وقد استيقظ في الرابعة فجراً على صوت مكالمة هاتفية من صديق يسأله إن كان العسكر على وشك أن يسيطروا على السلطة. 
وتقول:" قال والدي لا تقلقي. عودي إلى النوم. لكن ذلك ضايقه فخرج ورأى السيارات المفقودة في ثكنات الجنرالات وأدرك بعد ذلك بأن شيئاً ما يحدث". 
في ذلك الصباح تم قصف القصر الرئاسي "لا مونديا" بالدبابات. في الظهر اقتحمه العسكر. رفض الليندي الاستسلام وقتل نفسه قبل أن تصل القوات. 
تتذكر جوان قائلة:" استمعنا أنا وجارا إلى خطاب الليندي الأخير. ثم رأينا كيف أنّ المحطات الواحد بعد الأخرى استبدلت البرامج العادية بالمارشات العسكرية والبيانات". 
ترك فكتور زوجته جوان كي يلتحق بالطلاب الذين كانوا يدافعون عن الجامعة. تضيف" لم أره يغادر. ولم يبدُ الأمر مهماً. قلت وداعاً بطريقة عادية. كانت هذه آخر مرة أراه فيها". 
كان جارا من بين الذين حاصرهم العسكر وأخذوهم إلى الملعب الذي تحول إلى معسكر مؤقت للسجن والاحتجاز. حين جاءت جوان إلى السفارة البريطانية للمساعدة كانت مغلقة ( على الرغم من أن السفارات الأخرى كانت تفتح أبوابها للباحثين عن اللجوء). ونجح في تهريب رسالة خارج الملعب تخبر جوان أين أوقف سيارتهما مصرحاً بأنه يحبها. وذلك هو آخر ما سمعت منه. 
بعد أسبوع ذهبت إلى الملعب وطلبت التعرف على جثته:" كان فكتور من بين المئات من الجثث التي صفت بصورة جانبية؛ كلها فيها جراح فظيعة. وبعضها مقيد الأيدي". 
وبالرغم مما رأت عدت جوان نفسها محظوظة. تقول:" كنت محظوظة في التعرف على الجثة وأصبحت متأكدة مما فعلوا به ومن أنه كان ميتاً". 
وحسب لجنة العدالة والحقيقة في تشيلي فإن 3095 شخصا قد قتلوا خلال الحكم الدكتاتوري لبينوشت الممتد من 1973-1990 بضمنهم 1000 "اختفوا". وإلى الآن لا يزال اكتشاف الجثث جارياً. 
في كانون الأول الماضي جرى اتهام "بارنتوس" مع ضابط آخر بمقتل جارا، وقد اشترك خمسة آخرين في الجريمة. وقال المحامون بأن القضية اعتمدت على شهادة موثقة من مجند إلزامي يدعى خوزيه باردس اتهم بالقتل مبكراً. 
وقد استدعت الشكوى المقدمة ضده في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي "قانون حماية ضحايا التعذيب" و "قانون ضرر الغرباء" الذي يبيح للمحاكم الأمريكية حق النظر في انتهاك الحقوق المرتكبة في البلدان الأخرى. 
وتتذرع الشكوى بأن "بارنتوس" قد أمر بتعذيب الشاعر في غرفة مغلقة بالملعب ثم لعب الروليت الروسي مع جارا وأطلق النار عليه من خلف رأسه وأمر خمس مجندين إلزاميين بإطلاق العشرات من الرصاصات حول جسده. 
أنكر "بارنتوس" الاتهامات. وصرح لطاقم التلفزيون الذي قابله في بيته في مدينة "دلتونا" بولاية فلوريدا السنة الماضية:" لا أحتاج لأواجه العدالة لأني لم أقتل أحداً". 
يبقى التاريخ قابلاً للنقاش بشكل عنيف في تشيلي. فمتحف سانتياغو والمناسبات السنوية وطوفان البرامج الدرامية التلفزيونية وبرامج الإذاعة كانت شاهداً على الاعتراف بالأعمال الوحشية التي ارتكبت أثناء حكم بينوشت. وقدمت منظمة قضاة تشيلي الاسبوع الماضي اعتذاراً غير مسبوق بسبب فشلها في الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان أثناء فترة حكم بينوشت. 
لكن العديد من مناصري الجنرال السابقين يدلون على أن أحداث 1973 جرى تحريفها. يقول روبرتو ماردونس مدير مؤسسة بينوشت الذي يمتلك معرضاً لميداليات الجنرال وكتبه ( العديد منها عن نابليون) ونموذجاً لمكتبه" الأحزاب السياسية قد حرفت بشكل غامض كل شيء يرتبط بالحكومة العسكرية. الناس تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان لكن ذلك شيء غير صحيح"
ويضيف:" كان الناس عام 1973 يائسين من التغيير. كانت هناك المزيد من الحقد. إضرابات ونقص في الغاز والسكر والكبريت والمشروبات. وحين أعلن أعضاء المجلس السياسي في الإذاعة بأنهم سوف يجلبون السلام والاستقرار كان هناك شعور بالنشاط. خرجت مع عائلتي للاحتفال. وكان الأمر يشبه الكرنفال". 
يظهر التناقض بين مثل هذه الآراء وتلك التي للضحايا صعوبة المصالحة في تشيلي بعد 40 سنة. 
تقول جوان جارا بأن الولايات المتحدة يمكن الآن أن تساعد في الاعتراف بدورها وتساند الجهود لجلب المتهمين للعدالة. 
وتضيف" أطلب من شعب الولايات المتحدة أن يمارسوا الضغط على حكومتهم كي تستجيب لمطالبنا. لقد ساندت المخابرات الأمريكية ومولت الانقلاب لذا فإن الحكومة الأمريكية في ذلك الوقت تتحمل المسؤولية عما حدث. أعرف العديد من الناس في الولايات المتحدة الذين شجبوا الانقلاب وتضامنوا مع شعب تشيلي وضحايا الإعدام والاختفاء والتعذيب. هذه القضية هي قضيتنا جميعاً".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram