دعوني أشرككم في احتفالي بهذا اليوم، السادس عشر من أيلول.. هو يوم مشهود في حياتي المهنية ومن أحب أيامي. لو لم يكن ربما لم أكن ما أنا عليه الآن، ولكنتُ خسرتُ صداقة عمر تبلغ في هذا اليوم سن الأربعين بالتمام والكمال مع زميلات وزملاء لم تزل علاقتي متواصلة ووطيدة مع أكثرهم.
في مثل هذا اليوم منذ أربعين سنة سطع في دنيا الصحافة العراقية كوكب دري اسمه "طريق الشعب".. لعشر سنوات قبل ذلك اليوم كانت "طريق الشعب" يعاملها الشيوعيون وأصدقاؤهم بوصفها حرزاً يُخبأ في الجيوب الداخلية وفي لفائف الأطفال وتحت الوسائد والأفرشة، فيما رجال الأمن يعاملونها كما تُعامل المفخخات والأحزمة الناسفة اليوم. لكنها منذ ذلك اليوم، السادس من ايلول 1973، صارت مثل خبز التنور، تُصنع في وضح النهار وتدور أسطوانات المطبعة ليلاً، وفي اليوم التالي تهفو إليها الأنفس بشهية وتتلاقفها الأيدي بمسرّة.
في الذكرى الثانية أو الثالثة لصدورها علنية كتبتُ في عمودي الأسبوعي على صفحتها الأخيرة أنني تعلمت خلال ستة اشهر في ذلك البيت الصغير المطل على شارع السعدون في حي بستان الخس أكثر وأفضل مما تعلمته في قسم الصحافة بكلية الآداب على أهمية وجدوى ما تعلمته في الجامعة. ولم أزل عند رأيي ذاك. كانت مدرسة حقيقية، تخرجت منها كوكبة من الصحفيين والكتاب والفنانين اللامعين الآن في سماء الثقافة والإعلام، نساء ورجالاً، ممن تدربوا وتتلمذوا على أيدي اساتذة في المهنة: عبد المجيد الونداوي، شمران الياسري (أبو كاطع)، محمد كريم فتح الله، عبد السلام الناصري، عبد الرزاق الصافي، فائق بطي، سعدي يوسف، الفريد سمعان، سليم عبدالامير حمدان، صادق الصائغ، رشدي العامل، يوسف الصائغ، سلوى زكو، مصطفى عبود، ابراهيم الحريري، حميد بخش.. وغير بعيد كان زكي خيري وصفاء الحافظ وحسن العتابي. ولن أنسى صادق البلادي وغانم حمدون وكاظم المقدادي وسواهما.
كنّا عصبةً من الشباب المتحمس المُقبل على العمل والتعلّم يتقدمهم فخري كريم.. وفي الصف يوجد: فاطمة المحسن، فالح عبد الجبار، حميد الخاقاني، فاضل ثامر، زهير الجزائري، رضا الظاهر، عبد الاله النعيمي، إسماعيل خليل، نبيل ياسين، فاضل السلطاني، عبد المنعم الأعسم، يحيى علوان، خليل الأسدي، إقبال القزويني، حسين الحسيني، سمير سالم، عبد جعفر، سعاد الجزائري، لؤي....، عدنان منشد، حمدي العاني، ومن الفنانين والفنيين: مؤيد نعمة، عفيفة لعيبي، نبيل يعقوب، حميد عبد الحسين، ليث الحمداني، جمال العتابي، عبد الرحمن الجابري، سامي العتابي، مظهر المفرجي، قيس قاسم، انتشال هادي، مصطفى الخطاط، إبراهيم رشيد، ولن أنسى موزع الشاي الصبي قاسم خضر الذي تعلم الصحافة في وقت الفراغ وصار اليوم إعلامياً في مستوى ما كنا عليه يومئذ وأكثر.
أتذكر أن لقاءً نُظِّم لبعضنا قبيل أسابيع من الاصدار مع شمران الياسري لتشكيل قسم التحقيقات والشؤون المحلية.. كانت تلك المرة الاولى التي التقيه بعدما عرفته من خلال برنامج إذاعي له، وبقيتُ على علاقة طيبة به حتى رحيله المبكر جداً في حادث سيارة في المنفى العام 1982. وسيصبح أبو كاطع أول رئيس لي قبل أن يتولاني وآخرين في قسم المنوعات يوسف الصائغ.
هل ستكون شهادتي مجروحة إن قلت إن "طريق الشعب" العلنية كانت واحدة من أبرز الصحف في تاريخ العراق الحديث؟.. لا أظن، فهي لا تُقارن إلا بأمهات الصحف في مختلف الحقب كـ"الأهالي" و"الرأي العام" و"البلاد" و"التآخي".. كانت قيادة حزب البعث، وعلى رأسها صدام حسين، مشغولة البال كل الوقت في سرّ قوة "طريق الشعب" التي كان العاملون فيها يتقاضون رواتب تقل كثيراً عن رواتب أقرانهم في "الثورة" و"الجمهورية"، وكان مكتب الثقافة والإعلام في القيادة القومية يعقد الاجتماعات للبحث في كيفية مواجهة هذا "العدو". ذلك ما كان ينقله لنا زملاء وأصدقاء في الوسط من البعثيين.
لم يُدرك صدام وقيادته ان السرّ كان بسيطاً للغاية، يكمن في روح العمل والتعلّم التي أقبلت بها تلك العصبة على "طريقها" لتجعل منها كوكباً درياً عن حق، أتحسر الآن أن تبلغ مرتبته "طريق الشعب" الحالية و"المدى" وسائر الصحف الرصينة.
كوكب درّي
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
خليلو...
اي والله،كوكب دري اوقد من زيت نخيل العراق ، وزيت زيتون وصنوبر جبال كوردستان اضاء الفكر وعبد طريق التنوير وسيبقى منبعه متلالئا مادام العالم فيه متخمون وناس يشدون على بطونهم الحصى من الجوع....دمت يا طيب ودام ينبوع قلمك واقلام الاخيار
صادق محمد عبد الكريم الدبش
iهي اسم على مسمى ...المعبر عن امال والام وطموحات شعبنا بكل اطيافه ...تقدمية في نظرتها لحركة الحياة ..امينة لفكرها وفلسفته وطبقيته ، تسعى للبحث عن الحقيقة وايصالها للملايين من قوى الخير والتقدم والسلام ..المدافع الامين عن الكادحين والمسحوقين ..تبشر ببزوغ ف
حازم الطيب
مقاله اجمل من رائعه