(كما أظهر الكشف عن اسرار ناسا وخفاياها، وتنبيهنا الى امور تجري في الخفاء، فقد كشف ايضاً عن وسيلتنا للابقاء على سلامة تفكير عامة الناس).كلّنا يتذكر وجه الرئيس باراك أوباما الباسم والمليء ثقة واملاً، خلال حملته الانتخابية الأولى، وهو يقول، (أجل باستطاع
(كما أظهر الكشف عن اسرار ناسا وخفاياها، وتنبيهنا الى امور تجري في الخفاء، فقد كشف ايضاً عن وسيلتنا للابقاء على سلامة تفكير عامة الناس).كلّنا يتذكر وجه الرئيس باراك أوباما الباسم والمليء ثقة واملاً، خلال حملته الانتخابية الأولى، وهو يقول، (أجل باستطاعتنا) أجل كما أكد على قدرته للتخلص من سخرية مرحلة بوش وإشاعة العدالة وتحقيق الثـراء للشعب الأمريكي.
والولايات المتحدة الامريكية لاتزال عملياتها السرية وتوّسع شبكة استخباراتها وتتجسس حتى على حلفائها، ونتخيل المعارضين له، يتساءلون (كيف تتجسس على حلفائنا)؟ وسيكون جوابه، أجل، بإمكاننا.
وصفارة الإنذار التي اطلقها إدوارد سنودن، كشفت عن امور عميقة لها جذور عميقة في السياسة الامريكية، عندما كشف عن ملفات الخدمات السرّية، وما كشفه لم يزعج الولايات المتحدة فقط، بل ايضاً كافة القوى الكبيرة (بل حتى غير الكبيرة ايضاً) من الصين الى روسيا الى المانيا واسرائيل (وهم يفعلون ذلك ضمن نطاق التكنولوجيا التي يمتلكونها).
وما فعله سنودن، ويتم السيطرة علينا ايضاً –لشكوكنا، كوننا نراقب ويتم السيطرة علينا- وفي الحقيقة لم نعلم من سنودن او (مايننغ) أي شيء لم نكن نفترضه حقيقة من قبل والامر الذي كنا نعرفه كانوا هم يمتلكون بيانات وحقائق عنه، والأمر يشبه قليلاً ان كان المرء يدرك ان شريكه يخونه، فهو يقدر على تحمل تلك المعلومة المجردة، في حين يصعب عليه ذلك، ان وضعت امامه كافة التفاصيل مع صور دقيقة لما يفعلان.
وعودة الى عام 1893، ادعى كارل ماركس الشاب، ان النظام الالماني القديم، يتخيل فقط ان تؤمن بنفسها، كي يتخيل العالم الشيء نفسه، وفي هذه الحالة فان العار الذي تلحقه بأولئك الذين في السلطة يتحول الى سلاح، وكما يمضي كارل ماركس في كلامه: (إن الضغط الحقيقي كي تلحق العار بأولئك الذين في السلطة، هو ان تجعل القضية اكثر عاراً، بنشرها.
هذا هو وضعنا بالضبط، فنحن نواجه استخفافاً معيباً من قبل ممثلي النظام العالمي، والذين لا يؤمنون الا بافكارهم عن الديمقراطية وحقوق الانسان الخ، وما تم نشره في (ويكيليك) وكشف عن الكثير من الامور- وهذا ما نعتبره بـ(العار)- عارهم، وعارنا أيضاً، لأننا تحملنا مثل تلك القوة فوقنا.
وفي نصّه، (ماهو التنوير) يتحدث الفيلسوف كانت عن التضادات ما بين، (العام) و(الخاص) في استخدام العقل، فالعام يستخدم لأوامر مشتركة مؤسساتية، عند التعامل مع (أفكار عامة تخص الفرد، في حين ان (أفكار خاصة)، تشمل امورا عامة يفكر فيها المرء، واستخدام العقل يعد عملا حراً للمرء، وهذا الأمر، قد يكون محدوداً وضيقاً، لكنه لا يمنع المرء من التقدم نحو مجال تنويري أوسع.
فالمرء في هذا العصر، لا يمكن منعه من المعرفة، حيث تنتشر أجهزة الحاسوب، وحتى ان كان ذلك الفرد لا يمتلك ذلك الجهاز فان بمقدوره الحصول، على المعلومات التي يبغيها، عبر أجهزة التصفح ليحصل عليها.
وهذا العالم الجديد، هو جانب واحد من الموضوع اذ ان من يريد الحصول على المعلومات، فبإمكانه الدخول الى برامج شتى وملفات من التسجيلات، التي تحفظ في أماكن خاصة، وكلما كان الجهاز الذي يمتلكه الفرد صغيراً، يقدر على الامساك به بيده، كلّما تكون السيطرة على عمله افضل (مثل الهواتف الذكية)، فهذه اجهزة سهلة الاستخدام وشفافة في العمل، وكلما كان العمل اكثر تلقائية وشفافية، فسيكون خاضعاً للشبكة التي تسيطر عليها الوكالات الحكومية والشركات الخاصة التي تستخدم جداول أعمال سرية.
وما أن يختار المرء طريق الاسرار الحكومية فسنصل أخيراً الى النقطة الحاسمة التي تترتب عليها نتائج مهمة وسيئة، وهي التي تصف فيها اللوائح القانونية التي تشرح ماهيّة السرّية وعقاب من يتجاوزها، ان القانون السري، هو قانون غير معروف بالنسبة للناس، او كما جاء في تقرير صيني أخيراً في وصفه: (القانون السري، هو سري حتى بالنسبة للخاضعين له، والمفكرين الذين يبحثون عن المشاكل، ويكتبون عن الاضطهاد السياسي وفقر الفلاحين، الخ.. يمضون أعواماً في السجن لانهم افشوا اسرار الدولة).
وما يجعل سيطرة الدولة الشاملة على حياتنا، أمرا خطيرا، ليس لأننا نخسر حريتنا الفردية، وان كافة اسرارنا الحميمة مكشوفة للأخ الاكبر، ان كمية المعلومات التي تمتلكها السلطة كثيرة جداً، وبالرغم من كافة البرامج التي تسجل بلايين من المعلومات، غبية جداً، غير قادرة على تفسير أو تأويل كافة ما قد سجّل أو حتى تقييم أهميته، وتخطئ تلك الأجهزة احياناً عندما تضع البريء في جداول الارهابيين، وهكذا يجد المواطن نفسه –دون ان يفعل شيئاً أو يعرف شيئاً- في وضع خطر.
ولهذا السبب يبدو دور النافخون لصفارة الانذار مهما جداً للحفاظ على التفكير السليم لعامة الناس.
ومن الجدير بالقول، ان كلاً من اسانج، مايننغ وسنودن، أدّوا خدمة كبيرة للناس عامة، والعالم في حاجة الى مثالهم، وهناك دول تضطهد شعوبها اكثر من الولايات المتحدة، وعلينا ان نتصور ماذا كان سيحدث لرجل مثل مايننغ في روسيا او الصين، ومع ذلك لا يمكننا تضخيم نعومة الولايات المتحدة، بسبب تفوّقها التكنولوجي، وتكون احياناً اكثر قسوة من الصين.
إن ما يحتاجه العالم، فاننا نريد شبكة عالمية جديدة، تحمي امثال سنودن ورفاقه، إنهم اليوم، أبطالنا لأنهم اثبتوا مقدرتهم على فعل ما يفعله اولئك الذين في السلطة.
عن: الغارديان