TOP

جريدة المدى > عام > فلك الدين كاكه ئي.. بصمات حكيم كردي

فلك الدين كاكه ئي.. بصمات حكيم كردي

نشر في: 17 سبتمبر, 2013: 10:01 م

البصمة.. أثر، وكل أثر توثيق، وكل توثيق.. بقاء وحياة وتواصل مع الآخرين.  والحكيم ـ يحتوي قارئاً مجتهداً، ومعلماً بارعاً، وكاتباً ثراً، وإنساناً يحمل نموذج القدوة بما هو عليه حاله وفعله وموقفه. وبصمات الراحل الكبير فلك الدين كاكه يي .. بصمات حكي

البصمة.. أثر، وكل أثر توثيق، وكل توثيق.. بقاء وحياة وتواصل مع الآخرين. 
والحكيم ـ يحتوي قارئاً مجتهداً، ومعلماً بارعاً، وكاتباً ثراً، وإنساناً يحمل نموذج القدوة بما هو عليه حاله وفعله وموقفه.
وبصمات الراحل الكبير فلك الدين كاكه يي .. بصمات حكيم وعالم وزاهد ومتصوف وملاك.. لا لأن صاحب هذه الصفات.. صديق حميم، وزميل أثير، ومناضل باسل، وقلم صادق يكتب بحبر شجاع..
لا.. وإنما لأن فلك الدين كاكه يي هذا، إنسان قدّ من طراز خاص، ومن لا يعرف ويتعامل مع حضوره ويتنفس من نقاء وصفاء وبهاء وجوده؛ قد لا يسلم بحكمة فلك.. بسهولة، وإنما قد يجد في افضل الحالات، فضيلة صديق يبر بصديق راحل يضفي عليه ما شاء من حسنات، انطلاقاً من حب حفر في العمق، وتأثير ترك بصمات ذاتية أكثر منها بصمات على الآخرين.
لكن الحقيقة الأنقى من النقاء نتبينها عندما نقرأ حضورها بوضوح في مقدمة الطبعة الثانية لروايته البكر (بطاقة يانصيب).
انه شخصية تعرف حجمها ومداها وخصوصيتها ومواقفها.. فهو حين يعيد طبع روايته (بطاقة يانصيب) التي صدرت في بغداد عام 1967، لا يباهي نفسه بمستواها الفني وهو يصدرها في طبعة ثانية عام 2008 ؛ وإنما "كونها اصبحت جزءاً من التراث الروائي العراقي" .
وحين يقع في أخطاء فادحة فانه لا يغفرها لنفسه، وعندما يواجه مشكلات اجتماعية وصدامات ايديولوجية؛ يعترف انه نتيجة لذلك صار يبحث عن أي حل فكري.
وعندما يشطبون على اسمه في إحدى الجوائز الكردية، وهو في بداياته الادبية، لأنه لا يكتب بالكردية، لا يستاء ولا يعاتب ولا ييأس، مع انه يعرف نفسه جيداً، كونه نشر نصوصه ومقالاته وبرامجه الاذاعية في (صوت كردستان) منذ عام 1974 ـ 1994 باللغة الكردية.. 
كما لا ينفي عن نفسه وقوعه تحت تأثير الروائي البريطاني جورج أورويل الموسومة (1984) وهو يكتب نهاية روايته (بطاقة يانصيب) ويحدد رقمها بـ 1984 كما لا ينكر أبداً تعاطفه وبحثه عن دفء (معطف) الكاتب الروسي غوغول في الرواية التي كتبها..
كذلك.. لا نجد فلك الدين كاكه يي يتبرأ من مقالات كتبها ونشرها في جريدة (الثورة العربية) البغدادية مع علمه ان هذه الجريدة تعبر عن سياسة التيار القومي الناصري في العراق ولا يخفي انه في الوقت نفسه قدم مقالات الى إذاعة الحزب الشيوعي العراقي (صوت الشعب العراقي)، ذلك ان همه إيصال صوت الحركة الكردية والدعوة الى حل المسألة الكورية سلمياً وديمقراطياً..
كما لا يخفي انه ألف كتابه (القذافي والقضية الكردية) ونشره عام 1985 باسم (صابر علي أحمد) ثم أعاد نشر الكتاب عام 2008 ونشره باسمه الصريح..
وهو ما فعله في مقالات كثيرة نشرها في جريدة (التآخي) بأسماء مستعارة عديدة منها (ا.برشنك) و(مسمار)..
وفي الذاكرة.. يتألق أسم فلك باتجاه صياغة أفلاك من التجارب والافكار والمواقف التي كنا نتبينها ونحن نعمل معه في جريدته الاثيرة (التآخي) الذي كان قد عمل فيها محرراً منذ تأسيسها عام 1967 وقد رافقته شخصياً في هذه المرحلة الشاقة.. وتواصلت معه حتى في سنوات المحنة التي اغلقت فيها الجريدة ومن ثم محاولة السلطة السابقة لابادة الكرد..
وقد رافقني د. عادل كرمياني في ايصال مقالاتي الى جريدة (خه بات) وهي النسخة الكردية من جريدة (التآخي) التي راحت تصدر في كردستان على نحو سري، بعدما كان يتولى ترجمتها الى اللغة الكردية.. وفي علم الجميع انني عربي يتعاطف كلياً مع الكرد ويعمل معهم: معلماً وصحفياً.. من دون ان تكون لي معرفة بأبجديات اللغة الكردية.. وهذا مؤسف، ذلك انني اتعامل واتفاعل بشكل يومي مع قوم لا أتقن لغتهم! 
وعندما اعيد إصدار (التآخي) عام 2003 كنت أول صحفي اتصل به الراحل العزيز كاكه يي بوصفه أول رئيس تحرير للجريدة بعد التغيير، وعملت مستشاراً ثقافياً لرئيس التحرير ومحرراً للملحق الاسبوعي.. ولم أزل حتى الآن.
وفي حضرة هذا الفلك.. كنت على تماس مباشر معه، وتبينته عن قرب، بحيث تقاسمنا رغيف الخبز، وحروف الكلمات والمواقف معاً..
وراحت صورته تكبر يوماً بعد آخر.. وتوضحت هذه الصورة جيداً وبدت بصماته دائمة الحضور على نحو يومي.. في الحياة وفي الجريدة .
وفي لحظات سريعة عنه عرفت انه: 
لا يحمل نقوداً في جيبه أبداً، وإنما كان قريباً له يتولى مهمة الصرف.. ولم أعرف عنه، اعتذاره عن استقبال أي منتسب أو مراجع في غرفته المتواضعة في كل الاوقات، وفي الاوقات التي كان يتطلب منه كتابة الافتتاحية أو قراءة موضوعات مهمة كان يهرب الى غرفة طعام بائسة جداً اعدت لمنتسبي (التآخي) ليشغل فراغها بعد أوقات الطعام.. ومع ذلك كان يغزوه في خلوته عدد من المنتسبين في حين يتعذر عليه الاعتذار عن استقبالهم.. وقد نقل هذا الواقع الى وزارة الثقافة في اقليم كردستان عندما شغلها وزيراً في عام 1996 ومن ثم في عام 2006 حين بقيت أبوابه مفتوحة لكل قاصديه..
وفي تجربة حية تعبر عن حرصه وايمانه المطلق بحرية التعبير ؛وجدته يرحب أيما ترحيب بكل ما يرد الى الجريدة من ردود.. حتى انني فكرت واياه التوجه لتخصيص صفحات يومية أطلقنا عليها (مناقشات) إلا ان الفكرة لم تكتسب التنفيذ على وفق الصورة الواسعة والمفتوحة الافق التي خصصتها (التآخي) وذلك بسبب عدم ورود مناقشات وردود تشغل هذه الصفحات المتميزة والجديدة .
وفيما كنت أنشر عمودي اليومي (أفق) ؛ فوجئت ذات صباح بأن عمودي قد اختفى ونشر مقال بديل لأديب وأستاذ جامعي وجه سهامه باتجاه مقالاتي مجتمعة.
وعندما توجهت الى الكاكه يي غاضباً وأنا أسأله : لماذا اخفي المقال عني ولم يطلعني عليه قبل نشره؟ ابتسم وقال:
- لك حق الرد.
وفعلاً أتاح لي الحرية الكاملة بالرد وتوضيح ما التبس على الكاتب.. الذي اعتذر بعدئذ ومن ثم تحول الى صديق حميم.. 
ومنذ ذلك الوقت، تعلمت على رفض قراءة كل ما يكتب عني أو بشأني سلباً أو ايجاباً إلا بعد نشره.
والآن.. 
وزارة الثقافة العراقية تستعيد صورة الراحل ومآثره وموافقه وكتاباته.. فماذا يمكن أن يقال على وفق هذه العجالة عن فلك الدين كاكه يي الذي لم يعرفه كثرة من مثقفي العراق إلا في السنوات الاخيرة قبيل رحيله ولمن تيسرت له قراءة عدد من الكتب التي نشرتها له دور النشر الكردية في كردستان من دون ان توزع هذه الكتب إلا في حدود ضيقة جداً.. وفي علمنا انه لم يطبع أياً من كتبه على ميزانية وزارة الثقافة الكردستانية التي تقلدها وزيراً لمرتين.. وإنما بادرت دار آراس لاسيما وبعض دور النشر في أربيل على نشرها..
هذه جوانب عاجلة.. يمر بها قلمي على شكل لقطات حية لمناضل كردي ولد في كركوك عام 1943 وانضم للحركة الطلابية في كردستان منذ عام 1957 ومن ثم الى الحركة السياسية في العام 1965 وظل يقاتل في جبال كردستان بوصفه مقاتلاً ضمن صفوف البيشمركة حاملاً البندقية والكتاب اينما حل والى اين انصرف..وكان نائباً في برلمان كردستان .. ولكن الاهم والاقرب الى نفسه وعقله وروحه.. إنصرافه الى عزلته بين أشجار اللوز وبهاء الثلوج وألق الجبال ..
فلك الدين كاكه يي.. نموذج لشخصية انسانية معمقة وصافية وبهية، وطراز من الادباء الذين لم تشغلهم حياتهم الخاصة بقدر ما شغلتهم اوجاع الناس أينما وجدوا.
من هنا يظل فلك .. فلكاً في سماء مفتوحة على حياة نقية في قلب الشمس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram