تمكنت السلطة البريطانية المحتلة باساليبها الادارية مع الحكومة النقيبية المؤقتة، وبتوجيهات المندوب السامي السير برسي كوكس، من اقرار الامن في البلاد، والقضاء على سائر اثار الانتفاضة الشعبية فيها، واشغال الاوساط باسماء المرشحين لتولي الحكم في هذا القطر وكان رئيس الوزراء السيد عبدالرحمن النقيب متضايقا جدا من ترشيح امير هاشمي لتولي امر العراق،
عندما بلغته كثـرة البرقيات الى الحجاز يطلبون من عاهلها ترشيح احد انجاله، وانه رشح ابنه الامير عبدالله الى امارة العراق تلبية لطلبهم.. ولما بلغه ان وزارة المستعمرات البريطانية تميل الى ترشيح الامير فيصل بن الحسين لعرش العراق، ازداد تأثره ولم يستطع كتمان معارضته لهذا الترشيح وانه صرح في مجلسه لجلاسه كما سمعناه من صديقنا الحاج عبداللطيف ثنيان انه قال لمس بيل سكرتيرة دار الاعتماد البريطاني عند زيارتها له وبكل صراحة لتبلغه الى مراجعها، انني من اقارب الشريف حسين ومن السلالة نفسها وعلى مذهبه الديني ولاخلاف بيننا في الدم او العقيدة، ولكنني اقول لكم بصراحة تامة بأنني لا اوافق ولن اوافق على تعيين الشريف او احد ابنائه اميرا علينا في العراق!! وانت تعلمين مبلغ كرهي للادارة التركية السابقة، ولكنني افضل الف مرة عودة الترك الى بغداد من ارى الشريف او احد ابنائه ينصب علينا هنا!! ثم رفع صوته قائلا: ولن اتراجع عما قلته الان ابدا.. حفلة المندوب السامي بعيد جلوس ملكه اتخذ المندوب السامي من ذكرى جلوس عاهله الملك جورج الخامس على عرش بريطانيا خير مناسبة، فاقام عصر يوم الخميس 5 مايس 1921م الموافق ليوم 26 شعبان 1339هـ اوسع وليمة في مقره الرسمي بحدائق دار الاعتماد البريطاني حضرها اكثر من اربعمائة من ذوات بغداد وشيوخ القبائل ووجهاء المدن والضباط العراقيين القادمين من الخارج وكبار الموظفين والحكام العراقيين والبريطانيين والتابعين لهم، للتعارف وتبادل المودة وليختار ضمنا من يتوسم فيه للوظائف الشاغرة التي ينوي اناطتها بالاكفاء في نظره من ابناء البلاد. وكنت ضمن الهيئة التدريسية لمدرستنا الثانوية الجعفرية بمعية مديرها الشيخ شكر الله، الذي كان في الوقت نفسه قاضي بغداد الثاني، من حضار هذه الدعوة الزاهية، التي تجلى فيها الانسجام الودي والعواطف المتبادلة بين ذوات البلد ورجال السلطة عامرا بشكل ملحوظ،، وكان له دوره في تأمين الاستقرار الذي حققه. ومما دار على الافواه مقرونا بالثناء العاطر للمساعي المبذولة لجعل البلاد تدار من قبل ابنائها المخلصين، وان المندوب السامي السير برسي كوكس يسعى بكل جهده لتأمين ذلك.. ويمهد للشعب تحقيق من يختاره بنفسه لقيادته وفق رغبته. وكان من ابرز الشخصيات النشطة في هذه الدعوة جعفر باشا العسكري وصهره نوري باشا السعيد حيث كانت اللقاءات تدور حولهما بشكل ملحوظ. ولما انصرفنا ونحن في الطريق اشاد الشيخ شكر الله بما شاهده في هذه الدعوة وما بذل من اجلها وما لاحظناه فيها.. قلت له السلطة متمكنة وتبذل بسخاء لتحقيق مراميها وتضرب بقسوة لمن يخالفها او يعاديها.. وخصصت الرواتب الضخمة لشاغلي المناصب ممن تختارهم لها هي من ضمن مراميها،، واحداثها مناصب لاوجود لجهازها تعنونها لتعطيهم راتبها الضخم.. كوزير الدفاع جعفر باشا ولاوجود لرجال الدفاع يومها في البلد.. ومنصب وكيل وزير الدفاع ووكيل رئيس اركان الجيش معا نوري السعيد ولاجيش لم يولد بعد.. ولا تطوع اليه احد ووكيل مدير الشرطة العام نوري السعيد ايضا ولم يؤسس بعد اي نظام او وجود الشرطة. ومثلها التجارة التي لم تكن يومها غير غرفة لتجارة بغداد مؤلفة من بعض الضباط الانكليز والهنود وتجار النصارى واليهود وبعض التجار المسلمين.. فهل يعين لهؤلاء وزير..؟ انهم يريدون اشغال من قد يخلق لهم المتاعب بهذه المناصب!! والغالبية تخضع لتأمين مصالحها، ولو ان هذه الاجراءات كانت نواة لشجرة هذه الدولة فيما بعد. رأي رئيس الوزراء في جولة فيصل الى كربلاء والنجف حدثني الاخ احمد زكي الخياط عن الحاج عبداللطيف اثنيان ان رئيس الوزراء السيد النقيب قال لقد قمنا بواجب حسن الاستقبال الرسمي للامير فيصل على افضل نحو في البصرة وتقدير.. وكان المأمول منه حسب المنهج المعد له، ان يأتي الى بغداد مباشرة ويلتقي بالمسؤولين حسب الاصول اما ان يقطع رحلته من الحلة خلافا للمنهج المقرر ويفضل الذهاب الى الكوفة والنجف وكربلاء ويتصل فيها برجالها، فانه خروج عن الاعراف،، وانه اوضح للمندوب السامي ذلك بانه قدم علماء العتبات على المراجع الرسمية.. وهذا مالم يكن منتظرا منه!!. وتلقينا دعوة للحضور عصر الاربعاء 29 حزيران 1921 في محطة قطار غربي بغداد لاستقبال الامير فيصل، وخرجت بغداد بجماهيرها لاستقباله، والمندوب السامي بلباسه العسكري الابيض مع الاوسمة ومثله كبار الرسميين والعسكريين، وحضر السيد محمود النقيب النجل الاكبر لرئيس الوزراء نيابة عن والده، والقائد العام للجيش البريطاني الجنرال هولدين، ومعظم وجهاء البلد.. وكانت بغداد في غاية زينتها ابتهاجا بمقدم الامير الذي وصل بقطار البصرة في السادسة مساء، حيث صعد المندوب السامي اليه مرحبا بمقدمه، والاميربزيه العربي موشحا بخنجره المقصب،، وحال نزولهما من القطار صدحت له الموسيقى العسكرية البريطانية (سلام الامراء) وفتش مع المندوب السامي وقائد ا
مذكرات رؤوف البحراني: العراق والعهد الفيصلي
نشر في: 8 نوفمبر, 2009: 04:08 م