(2)
اختصر الصديق عبد الخالق كيطان عليّ طريق الوصول إلى فكرته الرئيسة عن "جمهور الشعر الشعبي" وذلك بتعليقه على عمودي ليوم أمس: "أظن، وأعتقد، وبكثير من رجاحة الإيمان بالنسبة لي، أن الشعر الشعبي اليوم وجمهوره هم من ألدّ أعداء المدينة والمدنية". كلمة "اليوم" تعني ضمنا انه استثنى "الأمس" أو، بدقة اكثر، استثنى الجمهور السبعيني الذي وصفته انه كان نوعيا ومتحضرا. السؤال هنا: هل صار الشعراء الشعبيون وجمهورهم "اليوم" أعداء للمدينة والمدنية بقدرة قادر أم أن هناك من "اشتغل" على الموضوع ودبّره تدبيرا؟
في نيسان من العام 1980 فوجئ شعراء المحافظات الشعبيون، عدا القاطنين ببغداد، بأوامر من المنظمات الحزبية والجهات الأمنية تطلب منهم الحضور مع نسائهم إلى بغداد فورا للمشاركة في مهرجان شعري مهم! قليل منهم عرف اللعبة فلم يحضر. وهناك آخرون غيرهم لم يحضروا لأنه لم يتم تبليغهم من الأساس لمجهولية محل إقامتهم! هؤلاء تظلموا كثيرا واشتكوا حتى عند الرئيس بعد ان عرفوا بأن الذين سبقوهم قد عادوا محملين بمكرمات وعطايا الرئيس.
الدعوة للمهرجان لم تكن صدفة بل جاءت بقرار عسكري كجزء من الإعداد لبدء الحرب الفعلية ضد إيران. كان رئيس اللجنة الفعلي التي كلفت بالتحضير للمهرجان عبد الجبار محسن ويساعده عبد الرزاق عبد الواحد والاثنان يعملان تحت إشراف لطيف نصيف جاسم.
استثناء شعراء بغداد لم يكن هو الآخر غير مدروس. فبغداد، في وقتها، كانت تحتضن أهم شعراء القصيدة الشعبية الجديدة، أو الحديثة كما يحلو للبعض تسميتها. التعليمات كانت صارمة بان لا يشترك أي منهم خاصة في المهرجان الأول الذي سيحضره صدام بنفسه. يكفي ان أذكر من بين الذين تم التأكيد على إبعادهم بقرار هم الشعراء: عريان السيد خلف وكاظم إسماعيل الكاطع وكاظم الركابي. منعوهم لأنهم يشكلون أهم ثلاثة أعمدة للقصيدة الشعبية التي أسهمت، بعد قصائد مظفر، بالارتقاء بذائقة الناس وحسهم الشعبي نحو ما هو أجمل وأرق.
في أول اجتماع للشعراء "الوافدين" على بغداد نبّه عبد الرزاق عبد الواحد الشعراء إلى ضرورة الابتعاد عن الطريقة التي كانت تكتب بها القصيدة السبعينية. علل قوله لأنها رمزية وعمومية والشعب اليوم بحاجة للغة شعرية "حارة" ومباشرة. ولكي يوضح ما قاله عبد الواحد أضاف عبد الجبار محسن ان المقصود هو الابتعاد عن القصيدة الشيوعية لأنها "ما توكل خبز".
آخر التعليمات وزبدتها: ان من لديه قصيدة هجاء فليحورها ضد الخميني وإن كانت لديه قصائد مدح أو غزل فليحورها لمدح الرئيس القائد. ويالله تفضلوا على غرفكم وبلشوا اكتبوا ونشوفكم غدا على بركة الله.
يتبع.