كم مرة تذهبون هذه الأيام، إلى السينما؟ و هل ما زال يغمركم الإحساس بالمناسبة المشتركة و تصيبكم الرعشة لمنظر الشاشة العملاقة في الظلمة المثيرة الدافئة؟ أم أنكم أصبحتم متحررين من الوهم مع ذلك السيل المستمر من الأفلام المعززة بالواقع التي تُبرز الأ
كم مرة تذهبون هذه الأيام، إلى السينما؟ و هل ما زال يغمركم الإحساس بالمناسبة المشتركة و تصيبكم الرعشة لمنظر الشاشة العملاقة في الظلمة المثيرة الدافئة؟ أم أنكم أصبحتم متحررين من الوهم مع ذلك السيل المستمر من الأفلام المعززة بالواقع التي تُبرز الأبطال الخارقين، و القطع السابقة من ألعاب الكومبيوتر، أو الممثلين الرائعين غير المصحوبين الآن بالإكسسوار العصري الأساسي و ضمان الحضور، المسدس؟
إن مجرد طرح السؤال، يقول تشارلس نيفين في مقاله هذا، قد يفرزني واحداً من الجيل القديم يصعب عليه جداً استساغة ما هو جديد، و صاخب، و سريع. و حتى و الأمر هكذا، لا يزال من المدهش أن الأفلام قد صمدت جيداً، بوجهٍ خاص في البلدان الأكثر تطوراً، في وجه الخيار الأعظم و المدخل الأسهل التي توفرهما شاشات محمولة، شخصية، أصغر. و الميول، مع ذلك، غير مشجعة لدور الشاشات الفضية ، خاصةً بين الشباب : إذ ذهب المراهقون في أميركا إلى السينما عام 2012 بنسبة 20 % أقل من عام 2009.
عندئذٍ يمكن أن يكون مستقبلها في الماضي، و هو يخدم سوقاً محدودة لما هو حنيني و تهكمي. و في غضون هذا، و كواحد تخلّى قبل بعض الوقت لمتعة التلفزيون الأكثر كسلاً، فإني أستخدم تجهيزات العصر الرقمي digital-age للتفرج على أفلام قديمة في البيت ــ الأفلام القديمة التي سمعتُ عنها كثيراً و لم أشاهدها أبداً، موشّاة بالأفلام التي كنت أريد رؤيتها مرة أخرى، بقدر ما يود المرء رؤية أصدقاء قدماء.
بالنسبة لمتبنّي التكنولوجيا الكبير في السن ، كان عليها أن تكون عند الطرف الأقل تحدياً : أقراص الـ DVD المستأجرة بواسطة البريد، لا تزال تقدماً معتبراً على تلك المنتخبات المتجرية القديمة المتخصصة في الأغلب في جاكي تشان ( ممثل و مغني من هونغ كونغ ) أو مراهقين يتصرفون بجنون، مع مناشير جنزير في الغالب. و ينبغي أن أشدد، أيضاً، على أن شروط الاختبار كانت تتّسم بالتحدي تماماً : رؤية التلفزيون المشتركة ( في الدقائق الافتتاحية، في الأقل ) مع طفلين بالغين مغرَّضين prejudiced ضد أي شيء أحادي اللون، و شريك غير مستعبد كثيراً لإغراء الماضي، و تحريم ثابت منهم جميعاً على أفلام الغرب ( أفلام رعاة البقر و الهنود الحمر الأميركية ).
و لقد بدأتُ اختيار كلاسيكياتي المنزلية برائعة مارسيل كارني، " أطفال الجنة Les Enfants du Paradis ". و أتذكر قول أحدهم لي عام 1987 بأن علي أن أرى قصة 1945 هذه عن دلّوعة باريسية من القرن التاسع عشر و عشاقها و المعجبين بها، و منهم رجل غني، و ممثل، و فنان محاكاة، و لص. و أنا الآن أفعل ذلك. و هو فيلم طويل جداً ( ثلاث ساعات و عشر دقائق ) و آرليتي، التي تقوم بدور الدلّوعة، عجوز جداً؛ و كما هي الحال في أفلام قديمة كثيرة، فإن طب الأسنان قضية بالنسبة للحساسيات الحديثة المبتذلة. لكن كارني أنجز شيئاً ما نادراً جداً في الأفلام، لحظة سحرٍ آسرة تقلب القلب رأساً على عقب، في مشاهد حشود لافتة للنظر ــ مرسومة في باريس أيام الحرب من المقاومين و المتعاونين ــ حين يقدّم بابتيست، فنان المحاكاة الذي يمثل دوره جان ــ لويس بارول، عيّنة ساحرة خارجاً في الشارع مما يقدمه داخل المسرح. و لا يمكنني أن أفكر هنا إلا بمشهد آخر واحد يباريه، حيث يستدير لوريل و هاردي في فيلم " "Flying Deuces ( 1939 ) نحو الكاميرا و يرقصان بأسلوب معين، و يمكن أن يكون ذلك خياراً مخصصاً لذلك.
و انتقلتُ، متشجعاً لكن باحتراس أكثر، إلى " لصوص الدراجات " للمخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا ( 1945 )، الذي يبرز بشكل ثابت في قوائم الأفلام العظيمة. و كان الجهل، زائداً ذكرى باهتة عن دي سيكا أنيق مبتسم في المسلسل التلفزيوني الخفيف في الخمسينات، " الرجال العادلون الأربعة "، قد تركاني غير مستعد لحكايته الأخلاقية القاسية عن الرجل الفقير المدفوع لسرقة دراجة لأن شخصاً ما سرق دراجته هو. و كان فيلماً واقعياً neo-realistic جداً بالنسبة لي، من دون أي تنشيط للدعابة التي يبدو أن المشاهدين بحاجة إليها الآن سواء كانت مناسبة أم غير مناسبة ( و لقد سمعتُ مؤخراً أن أحدهم وجد شيئاً ما يضحك منه في المشهد الأخير من الفيلم المأساوي " عُطيل "! )
لقد فسحت الواقعية الجديدة منذ ذلك الحين المجال لموجة عاطفية من الأفلام الإيطالية، و منها " سينما براديسو " ( 1988 )، " إيل بوستينو " ( 1994 )، و " الحياة حلوة " ( 1997 )، باعثةً الدفء في الترفيه المنزلي، و قد جعلت سابقاتها تبدو أكثر صرامةً حتى.
و كان " النمر The Leopard " لفيسكونتي ( 1963 ) أفضل مثال على فيلم تبدأ مشاهدته بكل روعته الفخمة على الشاشة الكبيرة. و كنت أتعرف، متأخراً مرة أخرى، على الثغرة التي يمكن أن تقوم ما بين مزاج و عادات زمن صنعِ الفيلم و زمن مشاهدته. فقد تمتعت تماماً في حينه بفيلم الفكاهة المتعدد الإخراج و المتعدد الشخصيات الرئيسة و هو " كازينو رويال " ( 1967 )، فيلم بوند الذي انطلق من بروكولي و سالتزمان؛ و هو الآن ساذج جداً إلى درجة أنه غير قابل للمشاهدة.
بمثل هذه الرؤى النقدية و التحفظات في ذهني، توصلتُ لما يمكن أن يكون توصيتي الأكثر إثارةً للجدل، بالنسبة لي بالتأكيد : لا تشاهد أبداً مرة أخرى الأفلام التي أحببتَها في شبابك، إذ أن الشباب يُعير تعجباً و تسامحاً يُبطلهما و يترفع عنهما التقدم في السن. و هو ما ينطبق على مسلسل الهزليات البريطاني "Carry On" و تأمل بيرغمان المتعلق بالقرون الوسطى ( 1957 ).
و هناك أفلام لم تفشل، على نحوٍ غامض، أبداً، بالرغم أو ربما بسبب كونها أخف من الأفلام الكلاسيكية :" فتيان و دمى "Guys and Dolls ( 1955)، حتى مع سوء إسناد الدور لمارلون براندو؛ " فطور في فيتاني " ( 1961 )، " الرجل الثالث " ( 19490 )؛ و " كازابلانكا " ( 1942 ) لكتابته التي لا تُضاهى، كما في تذكر ريك المختصر المثلوم لعلاقته الغرامية مع أيلس في باريس قائلاً " إني أتذكر كل تفصيل. فالألمان كانوا يرتدون الرمادي. و أنت كنت ترتدين الأزرق. "
و كانت هناك بعض الاكتشافات المتأخرة الرائعة، مثل ملحمة شكسبير المعاد ترتيبها " أجراس في منتصف الليل Chimes at Midnight " لأورسون ويلز ( 1965 )، بمشهده القتالي الذي لم أرَ مثل حيويته الفريدة، و " نساء على حافة الانهيار العصبي " لألمودوفار( 1988 )، و هو مباراة رائعة للوقار الإسباني مع الاستهتار الإسباني، و غيرهما من الأفلام الكبيرة.
عن: INTELLIGENT LIFE