TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تحريم "المدكوكة"

تحريم "المدكوكة"

نشر في: 20 سبتمبر, 2013: 10:01 م

في قديم الزمان ، ومن فندق "نزهة المؤمنين " في لواء البصرة ، قبل ان تكون محافظة ، ينطلق المئات من الأشخاص في أيام عاشوراء ، لإقامة المجالس الحسينية في قرى الجنوب ، باتفاق مسبق مع صاحب المجلس ، وبأجور يتفق عليها الطرفان ، مع توفير مستلزمات الإقامة من طعام ومنام في سرير مريح مصنوع جريد النخل مزود بناموسية "الكلّة " لاتقاء لسع البعوض والحرمس صيفاً ، وشتاءً يكون السرير في مكان تتوفر فيه التدفئة ، لكي لا يتعرض "قاري المجلس" لعارض صحي ، يمنعه من أداء مهمته .
بانتهاء العشرة الاولى من ايام عاشوراء يتوجه بعض قراء المجالس الى قرى اخرى ، وهؤلاء مقارنة بزملائهم لايمتلكون مؤهلات الصف الاول من أصحاب التخصص ، فهم على استعداد لتقديم خدماتهم بأسعار متدنية ، وفي بعض الاحيان تكون مجانية ، تناول الطعام والمبيت ، وكان احدهم ويدعى "الشيخ راضي " ضيف الفلاح زاير معيوف ، المعروف في قريته بإقامة مجلس صغير ، في العشرة الثانية من عاشوراء ، يقتصر حضوره على أبناء أسرة الزاير والمقربين منه .
علاقة شيخ راضي بزاير معيوف وطيدة الى درجة ان الاول كان يقبل الجلوس على "الجاون" لقراءة "النعاوي " ولطالما لبّى رغبة صاحب المجلس في قراءة المزيد لإزاحة "زنجار القلوب والأرواح " بالبكاء وذرف الدموع ، وحماسة الشيخ راضي ترتبط صعوداً وهبوطاً بوجبة عشاء تلك الليلة فاذا كانت تحتوي الدجاح ، تتصاعد الحماسة، أما اذا اقتصرت على التمر والدهن فانها تأخذ الخط التنازلي ، وفي كلتا الحالتين تتوفر للزاير فرصة البكاء المستمر تبدأ من لحظة جلوس الشيخ على الجاون الى القول اللهم احفظ مؤسس هذا المجلس زاير معيوف ، ووفقه وشاف مرضاه وسدد خطاه ونهدي للجميع ثواب قراءة سورة الفاتحة وقبلها الصلوات.
للجاون في ذلك الوقت أهمية كبيرة ، ولذلك حافظ على حضوره في كل صريفة ، فهو أشبه بماكنة "ست البيت" اليوم ، وله دور رائد في إعداد المدكوكة :" تمر الزهدي المخلوط بالسمسم" ، وفي الليلة الاخيرة من العشرة الثانية أخبرت زوجة الزاير ابناءها بانها ستعد لهم المدكوكة ، فانتشر الخبر في القرية ، وابدى الجميع استعداده لحمل "الميجنا" للحصول على الحصة الاكبر من الحلوى الوحيدة المتداولة في ذلك الوقت .
أنهت زوجة الزاير جميع الاستحضارات لإنجاز مهمتها من دون إخبار زوجها ، المستعد هو الاخر لإقامة مجلس الليلة الاخيرة ، فاصدر أوامره بذبح دجاجة ليتناولها الشيخ راضي باكملها ، ويترك للآخرين تناول ثريدها ، لكي ترتفع حماسته في قراءة المقتل ، وعند المساء تقاطعت الرغبات ، فحسمها الزاير بطلب من الشيخ بإصدار قرار تحريم تناول المدكوكة ،فرض على الآخرين قسراً وطبقوه على مضض ، من دون إبداء أي اعتراض يذكر ، وكأنه صادر من اعلى جهة قضائية أحكامها ملزمة لا تقبل الطعن، في إشارة الى "انت الخصم والحكم" في تحديد دور "المدكوكة "في الفصل بين السلطات الثلاث.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram