اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > محاكم معتقلة بالحواجز الكونكريتية..محامون: اصبحنا هدفا سهلا.. ونتعرض للتهديد اليومي

محاكم معتقلة بالحواجز الكونكريتية..محامون: اصبحنا هدفا سهلا.. ونتعرض للتهديد اليومي

نشر في: 21 سبتمبر, 2013: 10:01 م

تخلى المحامون في الموصل عن المظهر الكلاسيكي للمحامي ببذلة وربطة عنق وحقيبة سمسونايت. فبعد أن طالتهم حوادث القتل والاختطاف والاعتقال هجروا لباس المهنة، بل هجر القسم الأكبر منهم المهنة ذاتها، وصاروا يفتشون عمّن يعيد لهم حقوقهم المسلوبة.تبدو بناية محاكم

تخلى المحامون في الموصل عن المظهر الكلاسيكي للمحامي ببذلة وربطة عنق وحقيبة سمسونايت. فبعد أن طالتهم حوادث القتل والاختطاف والاعتقال هجروا لباس المهنة، بل هجر القسم الأكبر منهم المهنة ذاتها، وصاروا يفتشون عمّن يعيد لهم حقوقهم المسلوبة.
تبدو بناية محاكم الموصل من بعيد وكأنها معتقلة. فجميع الطرق المؤدية إليها مقطوعة بالحواجز، ولا تعبر الشوارع المحيطة بها سوى عجلات الشرطة التي تتبع لمديرية شرطة نينوى، البناية المجاورة لها تماما.
للوصول إلى بناية المحاكم، يقطع المحامي مسافة كيلومترين سيرا على الأقدام عبر طريق ضيق مؤطر بالأسلاك الشائكة، مع تجاوز أربع نقاط تفتيش، كلها تنظر للعابرين بارتياب.
المحامون، يتخطون كل ذلك يومياً بصبر مارسوه طوال ثمانية أعوام، ولم يستطيعوا برغم قيامهم بخمسة إضرابات، وثلاثة اعتصامات، وإصدار العشرات من البيانات، أن ينتزعوا لهم مكانا جديدا لائقا.
أما في باحة المحكمة التي افتتحها الوصي على الملك فيصل الثاني في آب أغسطس 1948، فلا شيء يدلّك على المحامي وأنت تشق طريقك بين مئات الناس سوى أجندة، أو حافظة أوراق، يتأبطها بعضهم.
"كل من يحمل حقيبة ويرتدي بذلة رسمية وهو خارج من باب المحكمة، بات هدفا للقتل" يقول المحامي المتقاعد مروان خضر.
فمنذ عام 2003 تحول أبناء هذه المهنة إلى صيد سهل للمجرمين الطلقاء في المدينة الساخنة أمنيا. فقتل خمسة عشر منهم بدم بارد وهم في مكاتبهم، وكان من بينهم عادل الحديدي أول مسؤول لفرع نقابة المحامين في نينوى بعد سقوط النظام، فيما وثّقت شرطة نينوى 42 حالة خطف وتهديد بغرض الابتزاز تعرض لها محامون.
ويؤكد خضر، أن الدكتاتور صدام حسين، أمر قبل اشهر من سقوط نظامه، بإطلاق سراح المسجونين من جميع سجون العراق، والكثير منهم مجرمون متمرسون، استهدفوا المحامين الذين أسقطوهم في المحاكم. أما بقية حالات القتل والاختطاف فتولتها الجماعات المتشددة التي ظهرت لاحقا.
صحيح أن استغناء المحامين عن لباسهم التقليدي "قلل من هيبتهم بعض الشيء"، إلا أن "واقع ممارسة المهنة قضى نهائيا على ما تبقى من تلك الهيبة"، يعلّق خضر بنبرة هزلية.
فمن أصل ستة آلاف محام مسجل في نينوى، لا يزاول منهم المهنة سوى 480 وفق إحصاءات رسمية.
أما البقية، "فتوجهوا مستفيدين من شهادة البكالوريوس التي يحملوها، للتوظف في دوائر ومؤسسات الدولة، وشركات القطاع الخاص" يعلّق المحامي القديم.
أحد محامي الجنايات، ويدعى أحمد، في عقده المهني الثاني، كان يحمل قرار حكم انتزعه للتو ببراءة موكله. سعادته الغامرة ذابت وهو يصف واقع حال المهنة، وكيف حاصرتها العصابات المسلحة، وتخلت عنها نقابتها في بغداد.
أحمد أشار إلى "أن أجهزة الأمن، الجيش تحديدا، تمنعنا في أحيان كثيرة من أداء الواجبات المنصوص عليها قانوناً في مقابلة موكلينا، قبل إدلائهم بأي اعتراف".
محام آخر، اسمه بشار، يستذكر كيف اعتقلته قوة عسكرية خاصة، داهمت منزله بعد منتصف ليلة قبل عامين، واقتادته إلى العاصمة، ليمكث في إحدى معتقلاتها نحو عام.
الأجهزة الأمنية رأت فيه "محاميا للشيطان" على حد وصفه، بعد أن تولى قضية متهمين بتنفيذ أعمال إرهابية، أما نقابته فتركته يصارع مصيره وحيدا.
من جهة أخرى، اشتكى المحامون  من أزمة يطلقون عليها "أزمة الوافدين الجدد"، الذين تسبب بعضهم بتشويه صورة مهنة بدأت في العراق منذ عام 1933.
يقصد المحامون بكلامهم، خريجي كلية الحقوق الجدد، الذين يحصلون مباشرة على بطاقة الانتماء الى نقابة المحامين العراقيين، ويتوافدون الى المحكمة دون أية خبرة.
فمن النادر أن يحظى اي منهم بفرصة التدرب عند محام مخضرم، أو تتولى جهة ما تعليمهم إجراءات التقاضي، وممارستهم الأولى ليست تمارين، وإنما دعاوى حقيقية تتعلق بحقوق الناس، وبحرياتهم، وأحيانا بحياتهم.
هناك في باحة المحكمة العتيقة بأعمدتها الرخامية وهي ترفع السقف سبعة أمتار، والتي تشبه الى حد بعيد محطة قطار هائلة، تختلط خطواتهم، مع مئات المراجعين، واغلبهم يقضون الوقت بالتجوال في ممرات المحكمة، وعلامات الذهول تطفو على وجوههم.
"أربعة أعوام درسوا فيها القانون، لا تسعفهم في أن يكونوا محامين، بسبب الاختلاف شبه الجذري بين الجانب الأكاديمي المقدم في كلية الحقوق، والواقع العملي في المحاكم" يقول أحد العاملين في المهنة كان موجودا هناك.
نفال الطائي رئيسة هيئة انتداب محامي نينوى، قالت بأن "مشروع قانون المحاماة الجديد الذي سيناقش في مجلس النواب العراقي نص على استحداث معهد محاماة لخريجي كلية الحقوق، مدة الدراسة فيه سنتان، يحصل بعد ذلك المحامي على عضوية نقابة المحامين".
ولأن هذا القانون ما زال حبراً على ورق مجلس النواب، الكثير من المحامين، يخفقون في إدارة بعض دعاوى يترافعون بشأنها، فيتسببون بردها او ببطلانها لخطأ ما ارتكبوه.
وفي ظل تداعيات انهيار الوضع الأمني في مدينة الموصل، أشرت السنوات السابقة ظهور نماذج من المحامين يتعاملون مع موظفين فاسدين في دوائر معينة كالتسجيل العقاري، والضرائب، قاموا بتزوير معاملات بيع وشراء لعقارات تعود ملكيتها الى الدولة، او لمواطنين راحلين خارج العراق.
والسبب كما يرى المحامي محمد يونس، هو "قلة الخبرة"، ويؤكد ان "الكثير ممن يمارسون هذه الاعمال غير المشروعة، هم من الخريجين الجدد، الذين استفادوا من سوء الوضع الأمني والاضطراب السياسي، واختاروا طرقا مختصرة لبلوغ النجاح، مع أنهم يدركون أكثر من غيرهم ان ما يقومون به جرائم يعاقب عليها القانون".
دعاوى جنائية عديدة، نظرتها المحاكم المختصة، كان المتهمون فيها محامين، وآخرها ستة منهم، موقوفون إلى الآن على ذمة التحقيق بعد أن تورطوا في جريمة بيع عقار يعود لمواطن مغترب دون علمه.
ويقترح قاض في محكمة بداءة الموصل، بدلا من إنشاء معهد للتدريب، إلزام المحامين القدماء في تدريب المحامين الجدد، مدة معينة، يمنحون بعدها الصلاحية الكاملة للعمل في المهنة، كما هو معمول به في دول أخرى.
القاضي يطالب أيضا، بتحسين أوضاع المحامين عموما، والكف عن اعتقالهم على أسس كيدية، وتوفير وسائل نقل تعفيهم من السير المنهك حتى الوصول إلى قاعة المحكمة.
لكنه وقبل كل شيء، يصر على إلزام المحامين بارتداء الزي الرسمي، خصوصاً عند وقوفهم أمام القضاء للترافع في الدعاوى، "لأن المظهر مهم جداً في عكس صورة طيبة عن مهنة بأمس الحاجة إلى من يعيد إليها هيبتها المفقودة" على حد قوله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram