TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فنانان عربيان يحتلان "التيْت"

فنانان عربيان يحتلان "التيْت"

نشر في: 22 سبتمبر, 2013: 10:01 م

فنانان عربيان على اتساع خبرتهما الآن في متحف "التيْت"، في لندن. وهذه التجربة، على ما أذكر، هي الأولى مع المتاحف الفنية الكبرى في المملكة المتحدة. المعرضان استعاديان، يشملان تجربة كل من الفنانيْن كاملة. زرت معرض اللبنانية "سلوى روضة شقير" (مواليد1916) مع بدء افتتاحه. دُهشت لغزارة الانتاج، بين الرسم والنحت، ولتنوع مادة النحت بين الخشب، المعدن، الحجر والطين المفخور. ودُهشتُ للجرأة المبكرة في اقتحام عالم التجريد، التي تراه هي في حوار قديم معها عالماً عالميَّ السمة، والذي أراه عالماً غربياً بامتياز. نعم، يمكن للفنان العربي أن ينتفع من التجريد، كما ينتفع من كل تقنية غربية أو شرقية. ولكن لا أن ينتسب بصورة تامة إلى رؤية غربية، هي وليد تام للحياة في كل تفاصيلها. إن دراسة شقير في باريس (1948) فرصة رائعة لتلقيح عالمها العربي، الإسلامي بالرؤى والتقنيات الجديدة. ولكن الذي حدث أنها، بعد لوحات تشخيصية لا تنم عن مهارة عالية، انسحبت إلى التجريد التام. بعض النقاد يرون أصداء التجريد الإسلامي في تجريدها. والتجريد الإسلامي زخرفي، حروفي وهندسي. وملامح هذه العناصر غائبة تماماً في أعمالها. الجمهور لم يكن واسعاً، لأنه يرغب، من أجل توسيع أفق عالميته، بمزاج جديد عليه، وهو هنا يلتقي بمزاجه ذاته، وبسلعته رُدّت إليه.
الفنانة الرائدة مازالت تعيش في بيروت التي تحب.
على مقربة من معرضها الشامل معرضٌ شامل آخر للفنان السوداني إبراهيم الصلاحي (مواليد 1930). المزاج الفني هنا يستدير استدارة كاملة باتجاه الجذور. استدرتُ أنا الآخر بارتياح لفنان عربي، مسلم، أفريقي وعالمي. أحسستُ بهذه الروافد تغذي موهبة فنية ماهرة. هنا أجد الحرف العربي، والنزعة الرمزية التصوفية، مشرّبة بالبوح السحري للقناع الأفريقي، وشطحات المخيلة السوريالية. وهذا كفيل باستثارة حماستي وحماسة المشاهد الغربي أيضاً.
ولد ابراهيم الصالحي في أم درمان، وشرع في تجربة زخرفة مخطوطات القرآن في مدرسة والده التي يعلم فيها الكتاب الكريم. في الخرطوم درس الفن، بعد أن هجر دراسة الطب. وفي 1954 حصل على منحة لدراسة الفن في بريطانيا. هناك اكتشف البعد الأفريقي في كيانه. أمر اكتشاف الهوية الأفريقية في أوربا ليس غريباً، فقد حدث هذا مع شخصيات سبقته مثل الشاعرين سنغور وأمي سيزير. بالنسبة للصالحي كان اكتشاف الهوية هذا قد حدث فعلياً بعد عودته إلى السودان عام 1957. لقد حدث أن أقام معرضاً تنعكس فيه تأثيرات المدارس الغربية العديدة، من فنون "حياة صامتة، بورتريت وأجسام عارية، "وجدت أن معظم الجمهور لم يأتِ في اليوم الأول إلا من أجل المشروبات المنعشة." على حدّ قوله، "بعد يوم الافتتاح الأول لم يأتِ أحد. الجمهور السوداني لم يروا حدثاً كهذا من قبل. وبعد معارض عدة مشابهة غير مشجعة وجدتني أتوقف عن الرسم على مدى سنتين. صرتُ فيها أتساءل مع نفسي: لمَ لمْ يتقبّل الجمهور أعمالي ويتمتّعوا بها؟".
تساؤل رائع. كان يسهل على غير الصلاحي، ممن حوّلوا "الحداثة" إلى عقيدة لا تتحمل التساؤل، أن يجد لسؤاله أكثر من مبرر جاهز: الجمهور متخلف عن ركب الحداثة مثلاً. أو أنه لمْ يعتد الجديد والبكوري. ولكن الصلاحي عبر تساؤله حلَّ إشكالاً كان يمكن أن يُتلف حياته الفنية كلها بيسر. بدأ يبحث عن الحلقة المفقودة، كما يقول في حوار فيديو داخل المعرض، عن العامل الذي يجعل لوحته تتفاعل مع أرواح الناس حوله. وأول ما جذب نباهته الفنية الخط العربي وفنون الزخرفة الإسلامية. كان يجدها في كل مكان: في البيوت، في المكاتب والدكاكين. "بدأت أنقش حروفاً في زوايا لوحتي، تشبه طوابع البريد. معها بدأ الناس يُقبلون عليّ. صرتُ أنشر الكلمات على صفحات الكانفس، فصاروا يقتربون أكثر. وبدأت أتعامل مع الحروف عابثاً علّي أكتشف عبر الهدم معانيها، فاتضح السر لدي. من هذه الاشكال الحروفية التي كانت ذات يوم رموزاً تجريدية بدأت تظهر الهيئات الحيوانية، والإنسانية، والنباتية. من هذا كان منطلقي الفني الحقيقي."

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram