الباحثة الإيطالية التي تعد دراسة عن اقتراع البرلمان المقرر بعد بضعة شهور، تسألني عن القضية الكبرى التي ستكون محور التنافس وسط كل هذا العنف. وأنا أعرض أمامها تفاصيل حوار مع الدكتور أحمد الجلبي أتولى تجهيزه للنشر، ومقتطفات من كلمتين للصدر والمالكي، أدليا بهما في لحظة واحدة من نهار السبت. إن دلالات التصورات الثلاثة في وسعها رسم الملامح الأساسية للفريقين المتنافسين على مراكز القوى ونهج إدارة الخلاف.
الجلبي يستخدم وصف "الكرف" أو "الغرف العشوائي" حين يتحدث عن سياسة الأمن التي يتبناها المالكي اليوم خلال شن حملات اعتقال واسعة حول بغداد، والجلبي يجد ذلك سببا مباشرا لتحويل البيئة الاجتماعية إلى طرف خائف من السلطة كاره لها، وكيان بشري مستعد لأن يرى في تنظيم القاعدة "منقذا" يتولى حمايته من قمع الدولة. الرجل يقول إن الأمور لم تصل إلى هذا الحد بعد، لأن جزءا واسعا من الجمهور لايزال يترقب الإصلاحات السياسية وتداعيات الاقتراع المقبل، لكن استمرار القاعدة في نهجها، واستمرار الحكومة في استعداء حزام بغداد، سيقدم هذه المنطقة الستراتيجية "هدية إلى القاعدة". والقصة الحزينة تتسع بموازاة إجراءات بدائية لمؤسسة الأمن تذكرنا بعساكر القرون الوسطى (حسب وصف استخدمه كاتب غربي زار بغداد مؤخرا)، وهو ما يسهب الجلبي في تحليله مقارنا بأساليب متطورة لمكافحة الإرهاب باتت معروضة اليوم في السوق الدولية وتتولى حتى شركات من آسيا تقديمها كخدمات لدول المنطقة، دون ان يستعين بها العراق كأسلوب لتتبع المجموعات العنفية وتفكيكها بنحو علمي يتجنب وضع شريحة اجتماعية واسعة في قفص الاستعداء والاتهام.
كلام الجلبي يكاد يتطابق مع تحليل مهم استند إليه بترايوس عام ٢٠٠٧ ويتولى اليوم ساسة وصناع رأي، التذكير به محذرين من ان تصل شريحة عراقية واسعة إلى قناعة بأن السلطة عدو مكتمل العداوة، وان من حق الشعب حمل السلاح في وجهها، عبر القاعدة أو غير القاعدة.
والكثير من قادة التحالف الوطني يعرضون وجهة نظر مشابهة، وزعيم التيار الصدري كرر كلاما واضحا في هذا الإطار نهار السبت، قائلا ان بعض المحسوبين على الشيعة "زورا" يستهدفون السنة في جنوب البلاد. وان هؤلاء يقولون أحيانا انهم يستهدفون السنة بهدف ضرب الإرهاب "السني". لكن الصدر أعاد تأكيد ان استهداف هذه الشريحة الأساسية لن تعني سوى مساعدة و"تمكين للإرهاب" وبمثابة ان نؤكد لهم ان العدالة غائبة ونضطرهم إلى قبول "غرائز الغابة" وقواعد الصيد المنفلت.
في تلك اللحظة كان المالكي "يغرف" من حقل الغراف النفطي "شبه العملاق"، لكنه خلال حفل الافتتاح راح يخاطب الأغلبية الشيعية قائلا، ان هناك من يشتمكم على المنابر، وأن بيننا وبينهم "بحر من الدم". ولا يبدو ان المالكي كان يقصد حفنة متطرفين ينبذهم الجمهور العام، لأنه تحدث عن "بحر دماء" يليق باحتراب واسع بين الطوائف.
المعتدلون يحذرون من خطر استعداء المجتمع، لأن أي دولة يمكن أن تنجح لو حاربت حفنة متطرفين، لكنها إذا قررت شن الحرب على مجتمع واسع فإنها ستفشل، كما فشل صدام حسين بكل جبروته في تحقيق "نصر نهائي". لكن المالكي يريد أن يبشر ببحر من الدم، ويتحدث حتى هذه اللحظة عن "قضيته الكبرى" قائلا إنه يهدف إلى منع عودة عقارب الساعة إلى الوراء.
المعتدلون يطرحون نهجا مسؤولا لإدارة الخلاف، والمالكي "يخترع" أسباب حرب شاملة، ويخترع "وهما" يريد استخدامه لجعل الشيعة يصدقون بإمكانية عودة صدام حسين أو أزلامه لحكم قمعي. وبين "الحكمة" و"الوهم المتضخم" المتهرب من أسئلة الحقيقة، ستدور التفاصيل الجوهرية لصراع تشكيل الحكومة في ٢٠١٤، وسنرى أي الصوتين أعلى.
بعد كلمتي المالكي والصدر بساعات، احترقت مدينة الصدر بالمفخخات. ولا أدري، هل أراد الجهاديون عبر رائحة الجسد المتفحم، أن يقولوا للصدر: إن رغبتك بالاعتدال لا تعجبنا.. أم أنهم أرادوا أن يخبروا الحاج نوري المالكي أنهم سعداء بحديثه عن "بحر الوهم والدم"؟
الصدر والجلبي و"بحر" الحاج
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
شخبط شخابيط
هاي الي بالضبط التي تحدثت عنها المحللة الكبيرة نانسي حين ثالت وبالفم المليان شخبط شخابيط
آريين آمد
عندما يستندالنهج المستخدم في ادارة الصراع الى فرضيات خاطئة ... فلا يجب ان نستغرب حصول الكوارث... فبين كلام الجلبي والصدر والمالكي يظهر ثلاث مناهج بفرضيات مختلفة وكل واحدة منها تقود الى نتئاج مختلفة.... اعتقد بان الجلبي هو الاقرب للحل الذي سيقدر على اخراج