TOP

جريدة المدى > عام > في إنتظار البرابرة وطريق بلا نهاية!

في إنتظار البرابرة وطريق بلا نهاية!

نشر في: 23 سبتمبر, 2013: 10:01 م

1في التقديم التعريفي تذكر المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله ، ان مؤلف الرواية ( ج . م . كوتزي ) أو جون ماكسويل هو من جنوب أفريقيا ، و يحمل الجنسيتين الجنوب أفريقية و الأسترالية ، و قد نال العديد من الجوائز : جائزة بوكر في أعوام 1983 ، 1999 ، 2..3 ،

1
في التقديم التعريفي تذكر المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله ، ان مؤلف الرواية ( ج . م . كوتزي ) أو جون ماكسويل هو من جنوب أفريقيا ، و يحمل الجنسيتين الجنوب أفريقية و الأسترالية ، و قد نال العديد من الجوائز : جائزة بوكر في أعوام 1983 ، 1999 ، 2..3 ، كما تنوه المترجمة الى أن المؤلف أقتبس عنوان ( في إنتظار البرابرة ) من قصيدة الشاعر اليوناني كفافي ، و ربما يكون متأثرا" بمسرحية الكاتب الإيرلندي صامويل بيكيت ( في إنتظار غودو ) ، و كذلك كان متأثرا" برواية الكاتب الإيطالي دينو بوتزالي ( صحراء التتر ) عنوانا" و مضمونا".
تجتهد الرواية في تقديم عالم مدهش و مشحون بالتنوعات التصويرية في السرد و الحبكة و الإنتقالات المقنعة و المقبولة ، فالروائي يدخلك في مشاهد من الحروب المفتعلة تارة ، و الوهمية تارة أخرى ، و هو يريد بذلك أن يجعل القارىء يطلع على الذرائع التي تتشدق بها الإمبراطوريات و الحكومات في ممارسة التنكيل و الإرهاب بحق شعوبها ، و من خلال هذه المشاهد التصويرية ، يطرح المؤلف أفكارا" متداخلة من الفلسفة و المواقف التي يُروج لها عنصر المخابرات ، بإعتباره الحامي و المدافع عن هذه الإمبراطورية و تلك الحكومة ، تسويقا" لشعارات و لافتات بإسم الوطنية ، لن يضيرها إذا ما دهمت تخريبا" و تدميرا" ، الحياة الهانئة و السعيدة ! .
الرواية تبدو للقارىء في البداية صعبة الإستيعاب ، بل و تُشعرك بجفافها التشويقي ، كونها في لغتها السردية ، تُكثر من التداخل لعوامل و حالات و أحداث ، حيث يشعر القارىء ، إنه أمام عالم مزحوم و مضغوط بأحداث و أحلام و أفكار و رؤى ، و يتطور هذا التداخل الى إختلاط هذه الأحداث و الأفكار بالأزمنة التي ربما تكون غابرة أو معاصرة أو حتى متخيلة ، إذ من الممكن أن تكون كل هذه الأحداث التي تدور في إمبراطورية ما ، مختزلة في بلد المؤلف ( جنوب أفريقيا ) أو حتى من الممكن أن تنطبق هذه الأحداث و زمن من هذه الأزمنة على بلد مثل أمريكا ، و هو من وراء هذا التداخل يريد المؤلف ، التركيز على محور الصراع البشري ، الصراع الإجتماعي ، الصراع الحضاري ، بل و يعطي صورة جلية
2
عن العلاقة السائدة بين الفئات ، و هو بهذا التركيز يعطيك عموما" ، مشاهد من الصراع الفئوي والطبقي في آن .
فالرواية في الجانب الآنف ، تستعرض في سرد مكثف – و هنا أشير الى اللغة المتوافقة التي أفلحت في مقاربتها المترجمة و الروائية ابتسام عبدالله – حالة التصنيف و التمييز بين المستوطنين الذي يدعوّن التحضر ، و هم من هذا الإدعاء ، يظهرون حالة التكبر و روح الإستعلاء في تصرفاتهم حيال السكان الأصليين ، و هذه المشاهد تأريخيا" و إجتماعيا" ، إذا ما عدنا الى سياسة التمييز العنصري أو الفصل العنصري ، تنطبق تماما" على جنوب أفريقيا و أمريكا ، و الرواية من هذه السياسة ، قدمت لنا توصيفا" ساخنا" للأجواء السائدة بين المستوطنين ( المتحضرين ) و الذين  يمثلون ( الحضارة ) من جانب ، و من جانب آخر السكان الأصليين ( المتخلفين ) أو البدو ( البرابرة ) الذين يعملون في الرعي و الصيد و الزراعة ، و الذين يمثلون شريحة الفقراء البسطاء .
و على ذكر البرابرة ، فهؤلاء في الحقيقة مثلما يصفهم لنا المؤلف ، قوم هادئون و مسالمون، بل و يتعرضون غالبا" للنصب و الاحتيال من بعض أهل المدينة التي يمرون بها في المواسم فقط ثم يقضون بقية السنة بين البادية و الجبال و السهول و ضفاف الأنهار و البحيرات متتبعين مواسم الرعي و الصيد و الطقس البارد و الحار ، و هم بالتالي يكونون من ضحايا المستوطنين ( الأسياد ) الذي يتعاملون معهم بفوقية و إستعلائية ، من خلال إبتزازهم و خداعهم في البيع و الشراء و المقايضة ، كونهم فئة غير مرغوب بها من قبل الدولة المدينة ( دولة الحضارة ) التي تنعم بالعيش الرغيد ، بفضل المنتوجات و الخدمات التي يحصلون عليها من السكان الأصليين ، غير المرغوب بهم ، السكان الذين يبيعون في المدينة الجلود و الفراء والثمار والحيوانات التي يصيدونها أو يربونها ، ويشترون الملابس و الأغذية و السكر و الشاي و سائر احتياجاتهم في الريف و البادية و الجبال .
(( لقد حدث تدفق من اللاجئين الى البلدة ، صيادون من المستوطنات الصغيرة المتناثرة على طول النهر و شاطىء البحيرة الشمالي ، يتحدثون بلغة لا يفهمها أحد ، حاملين حاجياتهم المنزلية على ظهورهم فضلا" عن كلابهم الهزيلة و أطفالهم المترنحين يدبون في تثاقل خلفهم ، عندما جاؤوا للمرة الأولى ، أحتشد الناس حولهم ، هل كان البرابرة هم الذين قاموا بطردكم الى هنا ؟ سألوا بوجوه ضاربة ، يشدون أقواسا" وهمية.
لم يسأل أحد ما عن الجندية الأمبريالية أو عن حرائق الأدغال التي يضرمونها )) .
و خلال قراءتي للرواية ، بدا واضحا" و كما نوهت به المترجمة و أشرت إليه سلفا" ، أن الرواية أقتبست عنوانها من قصيدة الشاعر
3
سي . بي . كفافي و تحمل نفس العنوان ( في إنتظار البرابرة ) ، بيد أن كفافي الذي كتب قصيدته في العام 1898 ، كان مضمون قصيدته يأتي على عكس مسميات الرواية التي نحن بصددها في هذه القراءة ، فالبرابرة في القصيدة غزاة ، و المدينة القديمة و إمبراطورها هي الأصل ، إذ يقول فيها ( يتجه سكان مدينة قديمة إلى بواباتها بقيادة إمبراطورهم ، لانتظار وصول البرابرة الغزاة )  .
في رواية كوتزي و على عكس عنوانها ( في إنتظار البرابرة ) ، فهنا المؤلف في تصوير مشاهده ، يجعل من المخابرات في الإمبراطورية ، بأمس الحاجة الى البرابرة ، و بغرض إختلاق الأعداء ، حتى يتسنى للإمبراطورية إستخدام شتى وسائل القهر و العسف ضد الشعوب ، بذريعة محاربة البرابرة ، و يبدو  في المقاربة العصرية و الواقعية ، أن حقبتنا الزمنية السائدة ، تتواجد فيها مقاربة حقيقية لمثل هذه اللافتة الذرائعية ، مثلما تقوم به أمريكا و الغرب عبر شعار ( الحرب على الإرهاب ) .
تهتم الرواية بأجواء العمل المخابراتي ، و تجعل منه محورا" لسرد الأحداث و الوقائع ، من خلال شخصية القاضي الذي يؤدي دور الراوي ، و قد عمد المؤلف الى عدم إعطاء أسم لهذه الشخصية ، كتأكيد من المؤلف على سرية المصدر ، و لا غرو إذا ما كان هذا المصدر هو نفسه الحاكم ( القاضي ) ، فقد رأينا في حقبتنا الزمنية المعاصرة ، وجود حقيقي لحاكم وصل الى سدة الحكم من تحت عباءة المخابرات ، كما هو حال الرئيس الروسي بوتين الذي كان أحد عناصر المخابرات الروسية ، لا سيما و أن أجهزة الأمن و المخابرات في أتون عملها تحرص أشد الحرص على عدم الكشف عن الأسماء الحقيقية لعناصرها ، و ربما أراد المؤلف من وراء ذلك ، التلميح أو حتى التأكيد على أن الحاكم ( القاضي ) كان في السابق يعمل في جهاز أمني و مخابراتي أو هو يستقي معلوماته من المخابرات ، و هذا الأمر لا يعني أن الرواية تجاهلت أسم المخابرات ، و إنما أفصحت عن هذا الأسم عبر تسمية تعميمية و ليست شخصية و تخصيصية ، عندما ذكرت ( المكتب الثالث ) .
اللافت في الرواية  أن المؤلف جعل من الإختلاق ( الوهم ) ، نقطة محورية في إيجاد مقاربة مسبقة من الماضي ، عاكسا" إياها على الحاضر ، و هذا العمل تجسير بين الماضي و الحاضر على صعيد الصراع الطبقي و الفئوي و المجتمعي ، و كذلك هو صراع بين المجتمع المديني ( الحضر ) من جهة ، و من جهة أخرى مجتمع البداوة و الريف ، و ما ترتب على هذا الصراع من تداعيات و تطورات و إنعكاسات .
و الرواية في ما خلصت إليه ، بدت سياسية و تأريخية و شيئا" من الفلسفة ، وهي في السياق العام تناولت الصراع بجوانب عدة ، كما كشفت عن ديدن الدول الإستعمارية في مطامعها من خلال
4
الإستيلاء على خيرات البلدان المستعمرة – بفتح الميم - و ممارسة سياسات التمييز العنصري و الإستعلاء الفئوي .
و بالتالي ، فإن الرواية تدوين لسياسات القهر و إختلاق الأعداء المحليين ، مثلما هي رواية أماطت اللثام عن الأساليب المخابراتية التي تلجأ اليها الإمبراطورية و البلدان ذات النهج الإستعماري .
و تبقى بصمة الروائية و المترجمة أبتسام عبدالله ، واضحة في لغة السرد المنقبضة و المعقدة ، بعدما نقلتها الى لغة محكمة في التوضيح و الدلالة شيئا" فشيئا" ، و الى حد كأنك تشعر فيه أن نفس ابتسام عبدالله يتخلله بحنو و أُلفة !.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram