أكتب هذا لا لتبرئة نفسي من شيء، فأنا من شريحة اعتادت أن تحاصرها شتى الاتهامات، لأننا اخترنا ألاّنقف مع هذا ولاذاك، في طريقة حياتنا، وفي انحيازنا لشكوك بلا نهاية، ومللنا من اليقين البارد. الشريحة التي ليس لديها انتماء واضح الا للشك العلمي، اعتادت حين تتناول المواضيع الكبرى، ان لا تنشغل بالانحياز، بقدر ما تحاول العثور على"الحلقة المفقودة"في الموضوع، وذلك الجزءالذي يتهرب منه"العقل الباطن"لكل الجماعات المحبة لليقين البارد.
ولذلك حين يحترق ذلك اليقين ويتحول إلى"جثة"في دواخل الجماعة، اقتباسا من شاعر كردي من ايران في رائعة"فصل الكركدن"، فإن المنتمين للطوائف يملون من تقاذف الشتائم فيما بينهم، ويهرعون إلينا نحن اللامنتمين، اصحاب الشك الأبدي، فيقرأ كل منهم افكارنا باحثا عن نقطة جديدة تنفعه هو، وتشج رأس خصمه. وكثيرا ما تركوا جوهر ما نقول وراحوا يفتشون بلا جدوى عن انحيازات لطائفة او مذهب.
نحن اللامنتمين، لا مصلحة لدينا بتفوق فئة على اخرى، وكل ما نحلم به ان يتصالح اهل اليقين البارد، ويفرغوا من"وساوس انقاذ العالم"التي تستولي على رؤوسهم تحت مزاعم الفرق الناجية.. فحين يصطلح هؤلاء سيكون في وسعنا ان نحلم بالسلام ونتفرغ لشكوكنا اللذيذة.
كل الموضوعات الحساسة التي تناولها ابناء طائفتي"طائفة الشك"كانت تثير غيظ طوائف اليقين في الغالب. وبمفردات الاحتراب الطائفي، يقول لي ابناء جلدتي الشيعة، انني لم اكتب بالقدر الكافي عما يتعرضون له من ذبح. كما يقول لي ابناء جلدتي السنة، ان ما اسجله غير كاف في ادانة ما تعرضوا له من ظلم. وفي الحقيقة فإن الظلم الذي تعرض له الجميع، اكبر من ان تستوعبه مقالات طائفة"الشكاكين". وحسبنا ان ننجح ولو بالقليل، في المساعدة على اعلاء صوت من العقلانية هنا او هناك، لبلورة حل وسط، قد لا ينهي الصراع لكن في وسعه تخفيفه.
ولأن الدولة تدار من فريق سياسي حول المالكي شيعي في اغلبه، فإننا ابناء طائفة الشك الساخن، نكثر اللوم على شيعة العراق، ونكرر كل يوم مع كثير من عقلاء الشيعة، ان استعداء حزام بغداد وبادية الانبار، وسهول الموصل، سيقدم الاهالي المقموعين هدية سهلة الى تنظيمات الموت والتشدد، الذين يرفض منطقهم السنة والشيعة معا، لانهم داء وبيل يخرب موازين التاريخ ولا يترك حجرا على حجر.
وبقدر ما كان هذا ضروريا في الاشارة والتصريح، فإن من الضروري ان يثير السجال الوطني المسؤول، مسؤولية مراكز القوى السنية ايضا، عن مواقف وتصريحات، قامت بتعميم اللعن والاعتراض على كل الشيعة، واستخدمت عبارات تهديد فضفاضة، جعلت معظم اتباع المذهب الجعفري يشعرون بالتهديد. وكان غياب الدقة في اختيار العبارات ولايزال، عنصرا أفاد منه سلطان تنقصه الحكمة، في التعبئة لحماية كرسيه على اسسارادها طائفية. ولولا كلمات متعقلة من امثال الشيخ العلامة السعدي ونظيرتها لدى عقلاء شيعة اسلاميين وعلمانيين، لوجدنا اليوم حريقا اكبر من هذا الذي يسود ليالينا ويخرب صباحاتنا.
اناي تعامل مع المالكي بوصفه دكتاتورا شيعيا، وتجاهل الاقوالوالافعال الشيعية التي عارضت نهجه، وغامرت بإغضاب"وحوش المذهب"الكاسرة في الداخل والخارج، سيقدم الشيعة هدية الى فريق المالكي، وفريق المتشددين العابرين للحدود. وبذلك سنكون ضحية تبادل هدايا، فالسنة يهدون الشيعة لمقاتلين وساسة متشددين، والمالكي يهدي السنة للقاعدة، وبعد انتهاء حفل المجاملات والهدايا هذا، يبدأ حفل"باربي كيو"ويحول الوطن الى مناسبة شواء في الهواء الطلق.
ان بين ايدينا مصالح عظمى قابلة للصون بشيء من الحكمة. وفي الفريقين حكماء يختارون كلماتهم بعناية ويمكن ان يصمموا التسوية الكبيرة، لكن المهمة لن تصبح ممكنة قبل ان تظهر ارادة واضحة، لإسكات الحمقى السنة والشيعة. وليس عيبا وجود مجانين في المنزل، لكن العيب ان يتفوق الحمق على التدبير.
هدايا"سنية"لمتشددي الشيعة
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 11
اكرم حبيب
شكرا سرمد من القلب مع احترامي
an iraqi
very well said and expressed. Only when the idiots are made to shut up, can we start to feel safe and sit down to talk about how to rebuild the country.
كاظم الأسدي
وهل ماجاء في خطاب المالكي إستاذ سرمد بعد يومين من جلسة الشرفاء يدلل على إرادة حقيقية للتسامح والتعايش السلمي ؟ حينما أعلن وبصوره متشنجة لاتتفق مع المسؤولية الوطنية التي يتحملها في الحفاظ على السلم الأهلي ما نصه .. بيننا وبينهم بحور من الدماء!!
صفاء الحيالي
استقراء ذكي للواقع ... نحن بحاجة لتقديم الحكمة على الجهل ... وافساح المجال للعقلاء وابعاد المتطرفين وهي مسؤولية جماعية تمارس بصيغ شتى .
المحامي عباس العبيدي
حياك الله استاذ سرمد.....تعليقات جميلة جدا وكلام واقعي وحقيقي من عراقيين يحبون لغة السلام ويبغضون لغة التهديد والوعيد التي يطلقها مختار العصر والزمان.سيناريوالسلطان السابق في صولة الفرسان سوف يتكرر.تفجير هنا وتفجير هناك وبعدها سيتدخل لضرب اللذين يفخخون و
عهد الوارثين
هذة الفكرة مع الاسف الشديد انها جميلة وتجنب الجميع دماء بسيوف باردة لكن ان الانسان شخصا هلوع كما عبر عنة القران اعتقد ان محركات العنف الطائفية وانقاذ العالم تبدى من دولة عربية تتناما بة فكرة انقاذ الجميع من التشيع انها فكرة ولكنها لم تنتهى انها فك
كريم الجبوري
حقيقة روعه وكل ماتكتبه وتقوله جيد لكن امثالك اللامنتمين يجب ان تنتمو الى الى الحق وتحاربو الضلم لان تعبنا من اللصوص والقتله وضاقت بنا الدنيا
محمد
فقط للتفريق بين احمق يمسك بزمام الحكم واحمق ليس له من الامر الا الصياح واللعن وشتان بين الاثنين وتخيل الفرق بين ضرريهم
عمار المدرس
حياك الله استاذ سرمد هذا الوصف الدقيق لواقعنا المرير ولكن استاذ سرمد هذا احد الحلول للاحجية التي طالما الشعب المظلوم حاول حلها ولكن دون جدوى وحلها الوحيد فقط يوجد لدى صناع القرار ؟ والحل يرجعنا الى زمن الاساطير والاحجيات (قصص الخواتم) ......تحياتي استاذ
للنعيمي
احسنت اخي سرمد اوجزت حالة العراق بدقه بارك الله فيك.نعم الكل ابناء جلدتي ولا يمكن ان تستمر ثقافة الفئه الناجيه الا بدمار العراق وفناءاهله . احسنت
محمد ابو يونس
حقا اننا(نحن)اللامنتمين نشكل الحلقة الوسطى في هذا الاحتفال (الكرنفالي)وعلى عكس اراء (كولن ولسن) علينا واجب التقريب....والمقاربة في ظرف كهذا اوجب من اي وقت مضى اووقت سيجيء...خوفا من ان لا يجيء...حبي لك يا فارس القلب والقلم.