بعد عام على اختطاف المناضل الشيوعي السوري عبد العزيز الخيّر قرب مطار دمشق، واتهام رفاقه في الحزب أجهزة الأمن السورية باحتجازه، رغم النفي المتكرر من الحكومة السورية، التي أبلغت وسطاء من عدة دول، أنّها لم تعثر له على أثر في كل سجونها، جاء تأكيد الرئيس الأسد للبرلمانية الأوروبية فيرونيك دو كايزر، أن المسلحين هم من خطفوه، ما يعني إمكانية تصديق ضابط المخابرات السوري المنشق آفاق أحمد، الذي يؤكد امتلاكه معلومات من مصادر داخلية، ومن الشريحة المؤيدة، عن مقتل الدكتور الخيّر، بعد أن اختطفته المخابرات الجوية من طريق المطار، وقد توفي تحت التعذيب.
المناضل الشيوعي الخيّر، من أنقى ثوار سوريا، ورغم معاركه المتواصلة مع النظام، لم يغفل لحظة عن أعداء سوريا الآخرين، من داخل البلاد أو من خارجها، ولد في " القرداحة"، انتمى إلى حزب العمل الشيوعي نهاية السبعينات، ليتولى عضوية مكتبه السياسي، فيتعرض للملاحقة مع مجموعة من كوادر الحزب، قبل إشغاله الموقع الأول عقب اعتقال العديد من رفاقه القياديين، فعمل على ترميم الحزب، ونجح نسبياً وشكّل نواة طيبة، وانفتح في علاقاته مع التجمع الوطني الديمقراطي، ويعتبر صاحب هذا النهج. بقي متوارياً عن الأنظار مدة عشر سنوات داخل سوريا، قبض عليه عام 1992 ليتلقى حكماً بالسجن لمدة 22 عاماً، بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي محظور، وتعتبر هذه الـمدة هي العقوبة الأكثر طولاً، التي يُحكم بها سجين علماني، غير متهم بأية تهمة لها علاقة بأي شكل من أشكال العنف المسلح في سوريا.
كان في السجن طبيب الجميع، من دون تمييز بين شيوعي أو إسلامي أو كردي أو عربي، وكان في أيام كثيرة لا ينــــام الليل، فقد كان الطبيب الوحيد في السجن، وقـــــد أقام أول عيادة طبية في سجن صيدنايا، بمساعدة السجناء الإسلاميين، وبضغوط على إدارة السجن، أُفرج عنه في عفو من الرئيس بشار الأسد، هو وكل قيادات حزب العمل، المحكومين بالسجن سنوات طويلة، وقبل السجن كان رئيساً لتحرير صحيفة "النداء الشعبي"، الأكثر شعبية وتوزيعاً وانتشاراً في أوائل الثّمانينات، وعضو هيئة تحرير مجلة الشّيوعي، وعضو هيئة تحرير الراية الحمراء، وكلها تصدر عن حزب العمل الشيوعي، الذي ظلّ الخيّر الرجل الأول فيه لمدة عشر سنوات.
الخيّر، صاحب الكتاب الأسود، الذي يتحدث عن قضايا القمع والإرهاب، التي تمارسها السلطات السورية ضد معارضيها، وأصبح مرجعاً أساسياً للعديد من المنظمات الدولية، ظلّ يُصر على أن تكون للنضال الثوري سياسته وثقافته ولياقاته أيضاً، وكم يبدو مؤسفاً أنه تعرض مع كل تاريخه النضالي للاعتداء، من قبل منتحلي صفة الثوار، أمام مبنى الجامعة العربية في القاهرة، ليصل إلى قناعة بأن هؤلاء سيواصلون نفس أساليب النظام، في سحق الرأي المخالف والمجتمع بأسره، غير أن كل ذلك لم يمنعه من مواصلة مسيرته النضالية، وهو الشيوعي المؤمن بشرف الأهداف التي يسعى لتحقيقها، لمصلحة وطنه ومواطنيه.
كان الخيّر، الوجه المشرق للثورة الوطنية الديموقراطية المدنيّة، بعيداً عن العسكرة والطائفية والاستقواء بالخارج، وحين كانت الثورة السورية سلمية تنحصر مطالبها بالحرية والمشاركة والمدنيّة والكرامة، كانت هيئة التنسيق الموقع الطبيعي، المُنتظر منه أن يوفّر للثورة صمام أمانها، ويضمّ قواها الوطنية والديموقراطية واليسارية جميعاً، وكان الخير فارساً من فرسانها، يقود حزبه لخدمة أهدافها، ورغم اعتقاله فإن أبناء حزبه يواصلون نضالهم، كأنهم مياه مقدسة تتدفق من نبع لا ينضب، إنهم تلاميذ عبد العزيز الخيّر، الذي سيؤكد غيابه أنه لن يكون الشيوعي الأخير.
"الخيِّر" ليس الشيوعي الأخير
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2013: 10:01 م