المنطقة العربية عرفت وقبل اكتشاف النفط ، بانها أرض خصبة لتنفيذ أنواع الانقلابات للوصول الى السلطة ، ومعظم أصحاب السيادة والجلالة والسمو ، وصلوا الى المناصب عن طريق البيان رقم واحد او بالوراثة ، وهؤلاء اكثر تحسباً وخوفاً وقلقاً من تنفيذ انقلاب ضدهم ، فانصرفوا نحو تشكيل أجهزة أمنية مزودة بأحدث الأسلحة والمعدات والامتيازات ، لتتولى مهمة حماية البلاط والقصر الجمهوري ، وعلى الرغم من كل هذه التحوطات، يبقى خطر الانقلاب الداخلي أمراً محتملاً ، وخياراً لمن يجد في نفسه القدرة على ان يكون البديل ليعيد استكمال دورة التاريخ في سرد أحداث الإطاحة بحاكم ووصول آخر سرعان ما يتعرض للمصير نفسه ، والتاريخ العربي الحديث يحتفظ بالكثير من أحداث "الغدر والخيانة " للإطاحة بأصحاب العروش سواء من قبل البطانة بمساعدة الزوجات والأبناء والأحفاد ، او من قياديين بارزين في الحزب الحاكم .
أطباء الملوك والرؤساء العرب ، وحدهم يمتلكون معلومات دقيقة عن أسيادهم ، وفي حال توفرت فرصة نشرها ، سيطلع الشعب على حجم معاناة الملك او الرئيس نتيجة الخضوع لهواجس الانقلاب ، فداء الملوك "مرض النقرس" اقل وطأة على صاحب الجلالة ، من تحرك مغامر يتطلع لسرقة التاج والجلوس على العرش ، والتاريخ فيه من الشواهد والأحداث ، ما يبين اتفاق مجموعة من بطانة الملك على ساعة الصفر للإطاحة بصاحب العرش ، وحبسه بزنزانة منفردة ان اسعفه الحظ ، وقد ينال شفقة الانقلابيين في الإبقاء على حياته ليكون عبرة لمن اعتبر.
في كثير من الأحيان يكون الانقلاب من تدبير البطانة والمقربين من الحاكم ، لانهم اكثر استشعاراً للخطر حينما يفكر صاحب القرار بإبعادهم او إحالتهم للقضاء ، سواء بتهم الخيانة العظمى او سرقة المال العام ، وغالباً ما تتحالف البطانة مع النساء "لأن كيدهن عظيم " ضد صاحب الجلالة والسيادة ليواجها المصير المحتوم ، ويسدل الستار على مرحلة سابقة لتسجل في التاريخ باسم العهد المباد.
بإمكان المصاب بداء الملوك معالجته باستخدام نوع من الدواء والابتعاد عن تناول اللحوم الحمراء ، أما الشعور بالضجر ، فيتبدد بإحضار المهرجين ، وأصحاب الألعاب البهلوانية ، والسحرة ، وفي الوقت الحاضر أصبحت متابعة الفضائيات ومشاهدة المسلسلات التركية المتعة المفضلة لحكام على ثقة تامة بقدرة قواتهم المسلحة على إحكام سيطرتها على البلاد في كل الأحوال والظروف بمساعدة قواعد أجنبية .
ملك يتابع فضائية منوعات يعطي صورة واضحة للبطران المسترخي ، أما الآخر فمنشغل على الدوام بمشاهدة ماتبثه فضائية حزبه من أخبار وتقارير ولقاءات وتصريحات وفي بعض الأحيان قصائد مديح وأهازيج، و يكشف بكل وضوح عن هواجسه ومخاوفه ، من انقلاب اسود مصخم ، قد ينفذه الشركاء والحلفاء وبعض رجال البطانة ، وهذا ما يدفعه الى إصدار بيانات يومية تحذيرية ، والتلويح ببحار من الدم ، لمواجهة صفحة الغدر والخيانة .
دماءٌ ما بين النهرين
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2013: 10:01 م