لا أعلم بالضبط صحة الخبر الذي قرأته قبل أيام على صفحة أحد الأصدقاء الفيسبوكيين والتي علمت من خلاله بأن الروائي العراقي شاكر الأنباري قرر مغادرة العراق والعودة لمنفاه الأوروبي ثانية، بعد يأسه تماماً من إمكانية العيش فيه، وبذلك يتقوض حلم عراقي آخر، نضيفه إلى جملة أحلامنا التي راحت تتقوض تباعاً بعد أن أصبحت الحياة في العراق مغامرة أكيدة باتجاه الموت، بعد أن أغلق "الهؤلاء" منافذ النور والأمل كلها بوجه المثقفين، هل تقدّر السماءُ التي على العراق المصائرَ ليكون المثقف مواطناً في حقيبة أبدية نحو المجهول ؟
نتصفح أوراقنا وأرقام هواتفنا القديمة وصفحاتنا على المواقع نجد أن الكثير ممن احتفظنا بأسمائهم وعناوين مواقعهم خرجوا من حديقة أحلامنا في مشروع التغيير الذي فرحنا به عقب ربيع العام 2003 ، فهم إما تغيّروا، أو تغيرت مواقفهم، ماتوا او قتلوا بفعل حوادث الوطن الأمنية، أو عادوا إلى حيث المنافي التي قدموا منها، وبذلك ينهدم الجدار الذي أقمناه في أرواحنا طمعا في التغيير ذاك، وتتراجع فسحة الأمل التي تركناها خالية كيما تحين فرصة الغرس والبذار، الآن، حين نستحضر كلماتهم ومشاريعهم في الحياة والعيش الكريم الآمن نشعر كم كنا واهمين في إمكانية التغيير تلك، ويتأكد لنا أن ضياع الفرص جزء من تكلفة الحياة في العراق.
وحين نبحث في مسببات ذلك نجد أنه وباستثناء مجموعة قليلة من المثقفين المغتربين الذين عادوا للوطن لا نقع على كثير من أسماء السياسيين التي ظلت وفية لأحلامهم في عراق جديد، وعلى مد البصر نجد أن جمهور السياسيين والنخب الدينية بخاصة التي عادت، سرعان ما تنكرت لمشروع بناء الوطن لصالح مشاريعها الشخصية، لذا نجدها الوحيدة التي ظلت منتفعة من عودتها على العكس من كل النخب الثقافية التي عادت وعجلت بالخروج ثانية، بعد أن عملت النخب السياسية على استبعادها من المشهد العراقي الجديد، إن لم تكن عملت على محاصرتها والتضييق عليها ومن ثم الفلاح في إجبارها على العودة خائبة، يائسة من أي حلم في التغيير.
ونجد أن الثقافة العراقية ظلت مشروعاً يسارياً، شيوعياً بامتياز على مدى عقود من الزمن، فقد باءت محاولات حزب البعث -على قساوتها- في تغيير مسارها طوال مدة حكمه، وحين عمل السياسيون العراقيون الجدد على تشكيل الحكومة سعت الكتل الدينية يعاونها شارع متعطش مشحون بعواطف جاهزة، سهل الانقياد لتتزعم المشهد كله، حينئذ كانت توجهات اليسار المدعوم بكل التوجهات الوطنية خالصة للثقافة، في طموح وردي يقول بان مشاريع التغيير إنما تبدأ من الثقافة، وهكذا كانت وزارة مفيد الجزائري من انجح الوزارات باعتراف الجميع، ففي الوقت الذي تناهب (الهؤلاء) خزائن العراقيين قديمها وحديثها ظلت وزارة الثقافة الأنقى، الأكثر يقظة والأوسع أحلاماً.
ولأن مشاريع الاستحواذ قائمة في فكر الإسلام السياسي العراقي الجديد، بما انعكس سلباً على المشروع العراقي برمته، وبما أفقد الآخرين (اليسار) وحاضنته الوطنية مقدرتهم على البقاء والمقارعة، لذا نجد أن محاولات اختراق الثقافة الوطنية ظلت قائمة، منذ تولي هؤلاء مقاليد الحكم حتى اللحظة هذه، وبسبب من المحاصصة الطائفية فقد سعى الجميع سعي المجتهدين لتهميش الثقافة، فأهملوا كل شأن له علاقة بالفنون والمسرح والسينما وأشاعوا ثقافة التحريم والتسليح والرعب والخوف والقتل فقتلوا كامل شياع، واخمدوا كل صوت وطني يتظاهر مطالباً بفرصة الحرية حتى عاد الوطن إلى سابق عهده طارداً، نافياً لا يصلح للعيش الأمن، للحياة بمعانيها الإنسانية الحديثة.
ما لا يمكن تصوره اليوم هو تأصل فكرة الهجرة لدى النخب المثقفة ولا نقصد التي عادت من المنافي ثم هاجرت ثانية بل في أذهان من لم يغادر العراق مطلقاً، العراق الذي يريده حكام الصدف والاستحواذ مملكة جائرة، مملكة محكومة بالقتل والنفي والطرد، لا يسكنها إلا من كان على دينهم وطائفتهم ومذهبهم.
المثقف مواطناً في حقيبة أبدية
[post-views]
نشر في: 24 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
فؤاد البصراوي
الأخ الإستاذ طالب , تحياتي وأمنياتي لكم بالصحة والنجاح. مقالك أثار الأوجاع وحفّز النفس الحزينة على إستدرار الدموع تخفيفاً لما يعتمل في الفؤاد. المثقف العراقي وخاصة اليسار بجميع مسمياته وقف حائراً أمام الموج الهائج والمتلاطم من الإسلاميين الذين كما نقول