اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي مُحقّة، أن الدوافع السياسية كانت وراء الحكم الصادر بحظر نشاطها، وأنها كتنظيم سيظل متواجداً على الأرض حتى بعد حلّه، والحكم كان صدر قبل هذا على الأرض، فالجماعة محظورة فعلاً وأعضاؤها مُلاحقون، ومقراتها مُغلقة، ولعلّ في هذا مؤشرٌ على أن الجماعة ستلجأ كعادتها للعمل السري، ولم يكن متوقعاً منها أي موقف غير هذا، بعد أن ذاقت حلاوة السُلطة، وحلمت بتنفيذ أجنداتها المعطلة منذ أكثر من ثمانين عاماً، واصلت فيها العمل لبلوغ الأمل، الذي انهار بفعل الإرادة الشعبية، التي حملها الجيش، مقصياً مرسي عن كرسي لا يستحقه، ومعه مرشده صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في فترة حكم الإخوان.
جاء الحكم ليكون بمثابة ضربة قاصمة لظهر الجماعة، خصوصاً إن تبعه حل حزبها وذراعها السياسي، وهو حُكم يُعتبر من أقوى الضربات التي تلقاها الإخوان، منذ قرار مجلس قيادة الثورة عام 52 بحلها، وسيترتب عليه فقدانها لكل أموالها وممتلكاتها، المقدرة بمئات ملايين الجنيهات، وهي بعده ستحتاج لبعض الوقت لاستعادة عافيتها ثانية، سيما أن جميع قياداتها المؤثرة في المعتقلات، أو هاربة بالخارج، غير أن البعض يرون أن الحكم لن يكون مؤثراً على المدى البعيد، ويُرجحون أن تعاود توفيق أوضاعها، بإنشاء جمعية أخرى، تحت مُسمّى آخر.
يؤكد بعض المصريين، أنّ الحكم جاء متوافقاً مع الإرادة السياسية والرغبة الشعبية، ويرى هؤلاء دون سند منطقي، أن الرفض الشعبي سيمنع الجماعة من العمل السري، بعد أن ظلت تاريخياً تتخفى وراء التأييد الشعبي، الذي شكل لها درعاً واقياً من الضربات الأمنية، فهي تتصادم اليوم مباشرةً مع الشعب والقضاء والسلطة، ولم يعد لها أي ظهير شعبي يقيها من ضربات السلطة، أو يُمكّنها من العمل تحت الأرض، كما كانت في السابق.
المدهش أنّ هناك من غير المصريين، من يعتبر قرار حل الجماعة خطوة في الاتجاه الخاطئ، وأنّه مراهقة سياسية، لأن الخطر الحقيقي يأتي من أن يضطر تنظيم الإخوان للعمل تحت الأرض، فالعمل السياسي السري هو الأخطر، لأنه يتحول بسهولة إلى العنف، حين لا يجد أمامه غيره وسيلة تعبير عن وجوده، بعد أن تكون الدولة أقفلت بوجهه سبل التعبير المشروعة، ويُحذّر هؤلاء ويدهم في الماء، عكس المصريين وأيديهم في النار، من لجوء دول عربية أخرى، إلى قرارات مشابهة للقرار المصري، ويطالبون بمواجهة الإخوان بالحجة والمنطق.
رغم رفضنا أيّ حكم يقوم على أساس ديني، نجد أنفسنا ضد قرار الحظر بشكله الراهن، ذلك أن القرار سيستبعد مجموعة كبيرة من المواطنين المصريين، من المشاركة والتمثيل السياسي، مع أن التجربة المصرية تقول، إن التعامل السلبي مع المجموعات السياسية، التي تتخذ الدين غطاءً لها، يدفعها لتبنّي خطاب متشدد يصل حد التطرف، وهو ما يُنتج جيلاً من الشباب، لا يرى أمامه إلا الانتحار، كي يصبح ملحوظاً على الخريطة السياسية، ويحتم ذلك على صاحب القرار المصري، فتح خطوط اتصال مع شخصيات معتدلة من داخل الجماعة، لإعادة تأسيسها كجماعة مُعتدلة، تؤمن بأنها جزء من المجتمع، وليست هبةً إلهيةً لقيادته، بدل تركها أسيرة لفكر سيد قطب المعتمد على الإرهاب، والمؤمن بالعنف كوسيلة لتغيير النظام في مصر وغيرها من ديار الإسلام، إن عادت له ديار.
حظر "الإخوان" بين الخطأ والصواب
[post-views]
نشر في: 24 سبتمبر, 2013: 10:01 م