في رواية “النخلة والجيران” لمؤلفها الراحل غائب طعمة فرمان، يقول البطل ان العراقيين لايخافون من جهنم ، لانهم اعتادوا على مواجهة درجات الحرارة العالية في فصل الصيف ،وعلى الأرض العراقية اليوم صورة اخرى لجهنم تمثلت بتصعيد امني ، ينذر بكارثة الانحدار نحو منزلق خطير، قتل متبادل ، وشراهة لإحداث خراب شامل ، وليس في الأفق ما يشير الى هدنة او تهدئة ، العراقيون يستغيثون ، ومخاوفهم من حصول انفلات امني يمهد لكارثة، بات هاجسهم الوحيد ، صرخات الاستغاثة لا تجد استجابة من المسؤولين والقادة السياسيين ، وهؤلاء في الظروف الحرجة العصيبة ، اكتفوا بالتنديد والاستنكار والتحذير ، وكأنهم وجدوا في الواقع الراهن فرصة اخرى لتوسيع حلبة الصراع والتنافس ،على حساب شعب ، تعطلت كل تمنياته وتطلعاته بفعل رغبة المشاركين في مارثون الوصول او الاحتفاظ بالسلطة .
من يستجيب لاستغاثة العراقي ؟ سؤال يتردد ، وعلامات استفهام كبيرة ترتسم على الوجوه، وحديث الشارع ، يشير الى حصول عمليات قتل على الهوية في أحياء متفرقة من العاصمة ، ومشرحة بغداد بدأت تستقبل الجثث مجهولة الهوية ، أي مصير تعس ينتظره العراقي ؟ من يمتلك الجرأة على الإجابة؟ ويضع حداً لإنهاء فصل مأساوي ، وهناك من يصر على استمرار الفصل بكل مشاهده ، لاعتقاده بان مكاسبه السياسية والفئوية ، تتحقق من خلال هذه الأسلوب ، ولا ينتابه ادنى شعور، بانه متجه لفتح أبواب جهنم .
بعد ساعات من توقيع "وثيقة شرف الخزاعي" برز مسلسل استهداف مجالس العزاء ،وأعلنت وزارة الداخلية أنها بصدد استيراد أجهزة "قوسية " من الولايات المتحدة الأميركية للكشف عن المتفجرات لتحل بدلاً عن تلك المستخدمة الآن، والمعروفة بانها صديقة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ، ولحين وصول "الأجهزة القوسية" وإبرام عقد استيرادها ،ستبقى قائمة ضحايا العنف مفتوحة لاستقبال المزيد.
معظم القوى السياسية تعاطت مع التدهور الأمني الخطير بطريقتها الخاصة فصدرت تصريحات من قادتها و زعمائها ، تطالب أبناء الشعب بالحفاظ على تماسك وحدتهم ،وتدعوهم الى نبذ العنف بكل أشكاله ، لتوطيد السلم الأهلي ، والحفاظ على التجربة الديمقراطية ، بالأجهزة القوسية .و استغاثة العراقي سمعتها منظمات دولية ، وعواصم أجنبية ، فدعت بدورها المسؤولين والسياسيين الى تدارك المشكلة ، بمعنى أنها طالبت المغامرين ، والعازفين على الوتر الطائفي بالابتعاد عن محاولات فتح أبواب جهنم.
التاريخ العراقي سجل أحداثاً قديمة ، وأخرى جديدة ، تؤكد ان الدم كان ولايزال هو الأكثر حضوراً في الساحة السياسية في غياب العقل ، وما شهدته البلاد من صراعات لفرض إرادة جهة على حساب أخرى بالتسقيط السياسي ثم الملاحقة والتصفية الجسدية فتحت بشكل مبكر أبواب جهنم في العراق قبل حلول موعدها الإلهي ،وعسى ان تغلق الأبواب يوم تزف البشرى باستخدام "الأجهزة القوسية " .
أبواب جهنم والأجهزة القوسية
[post-views]
نشر في: 25 سبتمبر, 2013: 10:01 م