TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الهتاف للمالكي من قاموس "القائد الضرورة"

الهتاف للمالكي من قاموس "القائد الضرورة"

نشر في: 27 سبتمبر, 2013: 10:01 م

ما الدولة الفاشلة؟ إذا أردت جواباً شافياً، فلا تبحث في معجم ابن منظور، ولا في تصنيف الزمخشري لمعاني الكلمات.. بل في أفعال رجال فاشلين، لا ينجحون سوى في السيطرة على المال والسلطة، وفي دعوة الناس إلى أن يتعلموا هتافا واحدا: بالروح بالدم!
سيقول البعض المشكلة ليست في المسؤول بل في الآلاف التي تهتف له بصوت واحد ونبرة واحدة، وتنسى هذه الجماهير أن المطلوب ليس الدم والروح، وإنما الخروج من نفق الخوف والعوز والانتقال من حكم القائد الضرورة، إلى حكم المؤسسات.
تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطور الروماني نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون الهتاف والتصفيق، وفي زمنه أصبحت مهنة الهتافين المأجورين رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف جندي من أفراد الجيش حضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف، ليهتفوا له بطول البقاء في الحكم بعد أن ينتهي من كل معزوفة.
بالأمس وأنا أشاهد نوري المالكي فرحا منتشيا وهو يسمع كيف يهتف له الحضور "بالروح، بالدم".. تسالت: ألا يكفي الخراب وفوضى الأمن وشبح الحرب الأهلية وضياع ثروات البلد، أن نهتف من أجل الوطن، لا من أجل المسؤول.. خرج البرازيليون غاضبين قبل أشهر لأن الحكومة فرضت مبلغا بسيطا على أجور النقل... هل تجوز المقارنة بينهم وبين العراقيين الذين تذهب أرواحهم ودماؤهم عربون امتنان وشكر لحكام اصابهم الغرور؟!
تتجه جميع الأمم نحو المستقبل. لم يعد هناك مكان لبينوشيه أو صاحب حفلة التيس.. ولم يعد هناك مكان لامثال ميلوسيفيتش. فجميع الطرق أصبحت تؤدي إلى حكومات الحرية والعدالة الاجتماعية.. لا حكومة " المختارين " والمعصومين والأتقياء.
إلى أين يريد البعض أن يأخذنا حين يملأ الأجواء بالهلاهل وأهازيج:"بالروح بالدم نفديك يامالكي" مثلما أتحفنا "الهتيف" الذي يسمى بنقيب معلمي بغداد، الذي لم يكتف بالهتاف بل اعتبر وجود رئيس مجلس الوزراء في وسط القاعة دليلاً دامغاً على أننا ودعنا عصر الأمية والتخلف!
يقول عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الحرية": "لا تزال عندنا ازدواجية تكرسها تراكمات سياسية تاريخية ممتدة منذ عصر الاستعمار وحتى تاريخ القهر والأنظمة الشمولية التي تدرب المواطن على أن يتحول إلى قرد يرقص ويهتف ويصفق.
لم تبلغ مخيّلة ميكافيللي أو غوبلز ما بلغته خطبة نقيب معلمي بغداد من التزلف و "الانبطاح"، فالرجل التربوي لا يعرف أن المواطن هو مصدر السلطات، لا القائد ولا المسؤول،.. وفاته أن العراقيين غادروا عصر الزعيم الضرورة، وتعلموا أن يهتفوا من أجل حريتهم ومستقبل أبنائهم، لا من أجل رئيس مجلس الوزراء.. الآن يحلم العراقيون بسكن نظيف وتعليم متطور.. الناس تريد مسؤولين يمتلكون خبرات طويلة في العمل المؤسساتي، لا في الخطابات والهتافات.. وهم يأملون أن تقوم صورة الدولة الحديثة على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور قائد جديد يتبختر رافعا يده علامة النصر، وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غالياً من أجل التغيير والديمقراطية، كان الناس يتمنون أن يجدوا أمامهم مسؤولاً قوياً في هدوئه. فقد عانوا طويلاً من عهود سادت فيها قرارات الجور والظلم والتعسف، التي أوقعت البلاد في مصائب كثيرة، وهزائم كبيرة مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.
بالأمس ارتفع صوت المالكي وارتفع معه الهتاف على الفور، لكنّ الهتافين لا يعلمون لماذا يهتفون أو لماذا، المهم أنهم يهتفون ويهزجون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يهتفون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع!
وأنا أرى مشهد نقيب معلمي بغداد تساءلت هل نحن، بالمعنى الصحيح دولة مؤسسات، أم أننا دون تلك المرحلة بكثير؟ هل تكفي الهتافات لوقف الموت والتهجير والفشل؟ هل يجمع بيننا حلم التغيير نحو الأفضل، أم الحرص على المضحكات والمبكيات في هذا البلد؟
الرجاء الإجابة.. وأنا بالانتظار على عنواني الثابت: العمود الثامن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. عزام

    بالروح بالدم نفديك يا علي حسين او اي واحد المهم بالروح بالدم ويعني صلي علي النبي

  2. رمزي الحيدر

    هذا دليل قاطع بأن نوري المالكي لا يؤمن بالدولة الديمقراطية والعملية السياسية ،لو كان يؤمن بالدولة الديمقراطية ،لكان أستحى من نفسه ووبخ المعلمين ( مدرسين الأجيال القادمة ) وقال لهم لاتكونوا مثل الشواذي مثل ماكنتو تهتفون الى المجرم صدام حسين بنفس هـذه الكلم

  3. KHALILKHALIL

    الا يكفي كل الارواح التي ازهقت والدماء التي سالت على ارض العراق منذ استلام مختار العصر والقائد الفذ والزعيم الاوحد حتى نزيدها ارواح ودما اخرى فداء للقائد الملهم

  4. ali modric

    هناك اقتراحين الاول يلبسون البدلات العسكرية والبوت الاحمر والثاني يسوون اعياد ميلاد ويجلبون اطفال الروضات ومهرجانات وصرف فلوس فاالحمد لله ايامنا كلها افراح وماعدنا هم وقلق الا على المعايير الدقيقة والشفافة للانتخابات المقبلة ونريد بعد قمة عربية اخرى في بغ

  5. مواطن

    بات الكل يعلم يما فيها مالكها أن الشعب العراقي أصبح بين مطرقة الحكومه الفاسده وسندان الأرهاب والرئيس . يراهن على سكوت الشعب وأخضاعه لحكمه ولكن نسي الحكام الذين راهنو على شعوبهم وكانو خاسرن حياتهم وحياة أبنائهم ومقربيهم فهل هو على أستعداد لهذا الرهان!!..

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram