لم يعُد سراً أنّ مستقبل الأمن العالمي، سيتشكل نتيجةً لمآلات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، التي ناضل كثيرون لتكون بيتاً للسلام والازدهار، يُبنى على ركائز من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وأنهم استبشروا "بالربيع العربي"، باعتباره مقدمةً للوصول إلى الأهداف المنشودة، غير أن الأزمة السورية، التي استطالت حتى تحولت إلى كارثة وطنية ودولية، على المستويين الإنساني والأمني، خصوصاً بعد مسارعة المتطرفين المتأسلمين، والطائفيين حتى النخاع، لتأجيج واستغلال الانقسامات العرقية والدينية في بلاد الشام، صرف النظر لفترة طويلة عن أي أمل بنهضة إقليمية، إضافة لتعريض الأمن العالمي للخطر.
أسفر الربيع العربي عن تزايد الهجمة على الإسلام، باعتباره حاضنةً للتطرف والإرهاب، وتجاهل المهاجمون أن الإسلام في جوهره، يدعو إلى دولة مدنية قائمة على المؤسسات، وعلى دستور جامع يرتكز على سيادة القانون والعدالة، وحرية الرأي والعبادة، وهي الدولة الداعمة للمساواة بين مختلف الأطياف العرقية والدينية، وكل هذا يتناقض مع كل ما هو مطروح من مشاريع الإسلام السياسي، سواء كان ذلك عند جماعة الإخوان المسلمين، أو لدى مشايعي الولي الفقيه، أو أصحاب الفكر الظلامي من أتباع القاعدة وما شابهها.
في سوريا، اتخذت المواجهة طابعاً مختلفاً، حتى لم يعد ممكناً تجاهل ما يجري، وتداعياته على موازين القوى الدولية، فهذا بلد امتزجت في معركته المسائل الداخلية، مع المطامع الـخارجية، وبات مؤكداً انخراط العديد من الدول عبر أجهزة استخباراتها بما يجري، ما أكد أهمية الـحدث السوري، وما سوف يتمخض عنه تجاه آفاق الصراع المحتدم في المجال الدولي، ومن هنا تأتي أهمية إعلان الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الاتفاق على النقاط الرئيسية لمشروع قرار دولي، يضع إطاراً لبرنامج نزع الأسلحة الكيماوية السورية، ويشير إلى إمكانية أن تُتخذ لاحقاً إجراءات تحت الفصل السابع، أي اللجوء إلى القوة، إذا تهربت سوريا من التزاماتها في نزع هذه الأسلحة.
بهذا لن يكون مُجدياً من الناحية العملية، ما تُروجه دمشق عن اطمئنان الرئيس الأسد، واعتباره أن الوضع اليوم فوق الممتاز، نافياً الطبيعة الطائفية للمعارك الدائرة في بلاده ، وأن أقصى ما باستطاعة مناوئيه لن يكون أكثر من فقاعة في الهواء، أو قنابل إعلامية، ولا تهديده بامتلاك أسلحة ردع أكثر أهمية من الكيماوي وأكثر تطوراً، يمكنه بها أن يُعمي بصر إسرائيل في لحظات، كما لن يكون تأكيداً على سيطرته على الأمور قوله إن لديه تعهدات كاملة، بأن القوات الروسية ستدخل بقوة في أي حرب تُشن ضد نظامه.
التطور اللافت، أن أوباما اعترف في خطابه الأخير، بقبوله تولّي موسكو وطهران معالجة المسألة السورية سياسياً، على قاعدة التخلي عن الأسد، والحفاظ على نظامه مُعَدَّلاً، ومُطعَّماً بالمعتدلين من معارضيه، لكن ذلك لا يعني مُطلقاً قبول الروس والإيرانيين للصفقة، رغم الاعتراف بالنفوذ الروسي في المنطقة، وامتلاك طهران ورقةً للمساومة على قدرتها النووية، والواقع اليوم، أن عملية التهدئة بين واشنطن من جهة، وطهران وموسكو من جهة ثانية، تمر عبر الدم السوري، بعد أن باتت سوريا على مائدة المساومات، لترتيب العلاقات بين القوى الدولية والإقليمية، والمعضلة السورية لم تعد قابلة للحل على يد الأسد ولا مناوئيه، وحتّى أن أي محاولة إقليمية لن تُجدي نفعاً، إن لم تكن مدعومةً من الدول العظمى، وبالتنسيق معها.
تدويل الأزمة السورية لمصلحة من؟
[post-views]
نشر في: 27 سبتمبر, 2013: 10:01 م