يبدو أن تركيا تعيش حالة انفصام في علاقتها بالعالم العربي، وهي اليوم تتستر على دعمها المكشوف أصلاً لجماعة الإخوان المسلمين، بالزعم أن مؤتمرهم الذي انعقد في اسطنبول مؤخراً برعاية رسمية، كان "مُخصصاً لبحث الموقف الدولي، من التحولات الديمقراطية في دول الربيع العربي، والخطاب السياسي الإسلامي المستقبلي، ومستقبل العلاقات مع النظام الدولي والغربي والإقليمي، تجاه الديمقراطية والحريات في المنطقة"، بينما تؤكد شواهد الأمور أن المؤتمر انعقد لدعم حركة الإخوان المسلمين، التي انكشفت ممارستها الإقصائية في مصر، وتواجه المزيد من النكسات في سوريا، بعد أن سلّمت الثورة الشعبية هناك لجبهة النصرة ودولة العراق والشام، وفي ليبيا وتونس، حيث يتصدّى لها التقدميون واليساريون والليبراليون، وهو مؤتمر ينعقد في إسطنبول للمرة الثانية في غضون شهرين.
يؤشر ذلك إلى تأثر تركيا من تدهور علاقاتها مع دول المنطقة، رغم أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، تفاخر قبل عامين بأن علاقات بلاده المتنامية في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة سياساته، ساعدتها على تقليل اعتمادها على أوروبا، لكن الواقع يقول إن هذه السياسات أدت إلى تراجع الصادرات التركية للمنطقة، بنسبة 13 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، نتيجة لتنامي حالة العداء مع سوريا وإيران والعراق، وامتداد ذلك إلى بعض مناطق لبنان، وتدهورها مع مصر بعد إطاحة مرسي وحكومته الإخوانية، حتى أن القاهرة أعلنت عدم ترحيبها بالمزيد من المسلسلات التركية.
لاشك أن الموقف التركي من أحداث مصر، أثّر على علاقتها بالدول العربية المناهضة لحكم الإخوان، وقد أعلنت دولة الإمارات مؤخرا تأجيلها استثماراً قيمته 12 مليار دولار، في مشروع بنت أنقرة أملها عليه في تخفيض قيمة فاتورة واردتها من الطاقة، التي تبلغ 60 مليار دولار سنوياً، وبالطبع يُحمّل معارضو أردوغان كل ما تواجهه بلادهم من مشاكل، للطريقة التي يتعامل بها مع خصومه في الداخل والخارج، ومنها تبنيه للتنظيم العالمي للإخوان، وتكريس بلاده موئلا لمؤتمراتهم، وآخرها المؤتمر المنعقد قبل أيام تحت شعار العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب، باعتبار أن رفض استئثار الإخوان بالسلطة، يعتبر انقلاباً على إرادة الشعوب.
معروف أن تركيا اعتمدت في سياستها الشرق أوسطية، على أن هناك تحولاً في العالم العربي، يترافق مع غياب بطل قومي، عند هذا المفصل توهمت أنقرة القدرة على أن تملأ فراغ القيادة، معتمدة على قبول الشارع العربي لنموذجها في التناوب على السلطة بين الأحزاب المختلفة، وسياستها الاقتصادية التي حولتها إلى أكبر اقتصاد في المنطقة، وتوفيقها بين الحداثة ومسألة الهوية بجذرها الثقافي والتاريخي والديني في إطار مقبول دولياً وإقليمياً، واعتمادها الفصل بين الحزب والدولة، وتحديد إطار تحالفها مع واشنطن، لتحقيق أقصى قدر ممكن من المصالح الوطنية، وحفظ قدر معقول من الاستقلالية ضمن إطار ذلك التحالف، لكنها لم تدرك أن كل ذلك لن يدفع المواطن العربي، وعلى أساس الاعتزاز بهويته القومية، للقبول بها قائداً يحدد خطواته في صنع مستقبله.
تركيا الأردوغانية والحرية والعدالة المنبثق من رحم الإخوان تقف اليوم أمام مفترق طرق، إما مواصلة تبنيها لتلك الجماعة رغم سقوط تجربتهم العربية، ووقوف الجماهير ضد تسلطهم واستئثارهم بالسلطة، أو الالتفات إلى مصلحتها الحقيقية، وإعادة بناء علاقتها مع شعوب المنطقة، وعدم الارتهان للعلاقات مع جماعة لم تتقن في تجربتها عربياً غير الفشل.
العلاقات التركية العربية على حافة الانهيار
[post-views]
نشر في: 28 سبتمبر, 2013: 10:01 م