TOP

جريدة المدى > منوعات وأخيرة > شرطي برناردشو

شرطي برناردشو

نشر في: 8 نوفمبر, 2009: 07:23 م

وارد بدر السالم يذكر برناردشو أن احدهم كان يصيح في الشارع وبشكل متكرر: (تسقط حكومة النفايات) وعندما أمسك به شرطيٌّ كان يمرّ بقربه ردّ الرجل ببراءة قائلاً:"إنني لا أقصد حكومتكم أيها الشرطي، بل أقصد حكومة النفايات
" وربما مرت الحادثة بسلام فالشرطي البرناردشوي يعرف أن هذا الوصف لا ينطبق على حكومته من وجهة نظره، أما حكومة النفايات فهو لا يعرفها، لذا ترك الرجل وشأنه. حادثة بسيطة ومعقدة في آن واحد. وجهتا نظر تقاطعتا في لحظة عابرة من عمر وطن لا نعرفه في سياق إيراد هذه الحدوتة الضخمة! لكن يمكن استشفاف بيّنة مهمة في تفكيك الحدوتة، فبين الرجل الغاضب وشرطي الدولة مسافة ضوئية من الوعي. الأول ينتمي الى الوطن والثاني ينتمي الى الحكومة.وواضح أن هناك فصلاً قسرياً بين الحكومة والوطن بحسب برناردشو. الصوت الأول هو صوت جماعي شعبي. والصوت الثاني هو صوت فردي سلطوي. وهنا تكمن المشكلة العميقة بين الصوتين. كثير من السياسيين العراقيين ممن يشغلون مناصب حكومية أو برلمانية يقتربون من شرطي برناردشو، فلا هم قادرون على أن يمثلوا صوت الناس ويختلطوا بالحياة البائسة ويفهموا طرائق التحضر التي وصلتها الشعوب والدول، ولا هم قادرون على أن يسكتوا ويبلعوا ما وهبه الله لهم من عطايا وأعطيات سخية لم يبلغها حتى قارون في زمانه! ترى ما سبب ذلك؟ هي مجموعة أسباب اختلطت ببعضها وامتزجت فظهرت في صورة سبب واحد هو أن الكثيرين من هؤلاء يتمثلون الوهم على أنه حقيقة.كما قلنا في مقال سابق؛ وهذه علّة من العلل الأساسية التي تجعلنا نجيّش ما نستطيع تجييشه من أقلام حرّة ترى صورة وطن واحد لا غير، وترى وجهاً واحداً له، لا عدة وجوه.. فالحقيقة هي غير الوهم.وأصابع اليد لا يمكن أن تكون للقدم. إذ لا تسمح قوانين الجسد وفيزيائيته بهذا الإستبدال غير المنطقي. ومن يتصور أنه يلوي ذراع الوهم ليكون الحقيقة فهو على وهم أكيد.والا كيف نفسّر شرطي برناردشو بردّة فعله حينما أراد أن يعتقل رجلاً عابراً يهتف بسقوط حكومة النفايات؟ هؤلاء الواثقون من الوهم والمتعاملون معه كحقيقة راسخة هم سبب من أسباب الفشل اليومي الذي يحيط بالعراقيين في أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالوهم الـ"برناردشوي" هو نفسه وهم "الصخل" العراقي الذي نضرب به الأمثال عادةً عندما نقترب من حقائق الأمور ونشخصها بشكل واضح وسليم، فالسياسة العراقية الحالية، والتي يمثلها البعض؛ التي خرجت من معطف الاحتلال وتوابعه المعروفة وقعت في هذه الإشكالية عندما عدَّت الوهم حقيقة وتعاملت معه على أساس الأمر الواقع وهو ما ينبغي أن نتوقف عنده عادةُ ونحن نرصد مسارات السياسة العراقية بأوجهها البرلمانية والحكومية بأمل تشخيص الكثير مما يجب تشخيصه في توثيق العملية السياسية بكل تجاذباتها وانحرافاتها الطائفية والعشائرية والمذهبية والكتلوية. شرطي برناردشو المسكين وقع في ذات الخطأ عندما تصوّر إن كل صيحة تهدد حكومته بالسقوط وهو الذي لا ناقة له ولا جمل فيها فتصرَّف وكأنه الحكومة، أما حكومة النفايات التي قصدها عابر السبيل، فهي الحكومة التي يراها من زاويته لا كما يراها هذا الشرطي ولا كما يراها المثل العراقي، عندما (معمع) في قاعة الاجتماعات ذات يوم قريب حينما صاح احد العابرين باستبدال ما أورده برناردشو في أول الكلام:"تسقط نفايات الحكومة" والله أعلم....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بوتين: علينا أن نختار السلام الذي يضمن أمننا

حظر تجوال شامل في طرطوس بعد أحداث "جبلة" الدامية

الصدر: أتابع "تيك توك" في أوقات الفراغ وبما يرضي الله

النفط: إنتاجنا من الغاز لا يسد حاجة محطات الكهرباء

النقل: 3 محافظات أكدت جاهزيتها لتنفيذ مشروع طريق التنمية

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بيت المدى يحيي مئوية شيخ الباحثين العراقيين د. حسين أمين

الشاعر ميثم راضي يُتوَّج بالجائزة الأولى في مسابقة المعلّقة لقصيدة النثر

عمل مسرحي في النجف يناقش "آفة المخدرات"

سلاف فواخرجي تخرج عن صمتها.. وترد على الانتقادات

اقــــرأ: دولة اللادولة

مقالات ذات صلة

مسرحية أمل تواصل التألق.. رحلة مختلفة في

مسرحية أمل تواصل التألق.. رحلة مختلفة في "الهند"

 عامر مؤيد   شاركت مسرحية "امل" للمخرج الدكتور جواد الاسدي الذي مثل المسرح العراقي في مهرجان ltfok الدولي للمسرح في ولاية كيرالا في الهند المقام حاليا تحت رعاية وزارة الثقافة الهندية.   العمل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram