ربما كان لقاء نادرا ذلك الذي جمع جنرالات بغداد بلجنة الامن والدفاع، وتسرب ملخص عنه الى الصحافة حيث نشرته "المدى" امس، فالداخلية والدفاع ميزانيتهما المالية ١٥ مليار دولار اميركي سنويا (عدا مشتريات السلاح ومعونات واشنطن لبغداد ومجموعهما نحو ١٠ مليار دولار) لكن الوزارتين لم تكتشفا ١٥ مصنع تفخيخ الا بعد ان لقي ٥ آلاف عراقي مصرعهم خلال بضعة شهور.
الضباط المحيطون بالمالكي قالوا للجنتنا البرلمانية ان هناك منجزات عديدة لقيادة العمليات، اهمها اكتشاف ١٥ مصنع تفخيخ في بغداد، (وهذا يحصل بجهد ميزانيته ١٥ مليار دولار اميركي). لكن هذا في نهاية المطاف لايبدو منجزا بل فضيحة، اذ معناه ان الارهاب يستطيع ان يقوم بإنشاء ١٥ معمل تفخيخ في العاصمة، ويتولى تشغيل خطوط انتاج الموت، دون علم من مؤسستنا الامنية العملاقة، التي لم تكتشف الامر الا بعد اندلاع حرائق رهيبة.
ولسائل ان يسأل: لو اخذنا مليون دولار من كل واحد من المليارات الخمسة عشر في موازنة الداخلية والدفاع، وجعلناها مكافأة لمن يعثر على مصنع تفخيخ او مواد تفجير، لامكن لنا ان نقوم بتصعيب عمليات القاعدة وجعلها عاجزة عن كل هذه الحركة الرشيقة في مدننا.
لكن نظام المكافآت هذا لا يجري العمل به في العراق، وسبق للاميركان ان اعلنوا مكافأة قدرها ٢٠ مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تكفي لاعتقال ابو بكر البغدادي زعيم قاعدة العراق، بينما لم تعلن حكومتنا اي مكافأة واضحة، ولم تعلق بما يكفي على الجائزة الاميركية في الملف العراقي!
وبدل ان نفكر في كيفية توظيف مناسب للمال الطائل في مؤسسة الامن، فان ضباط عمليات بغداد حسب التقرير، طالبوا اللجنة النيابية بالمزيد من المال لزيادة رواتب الجند! وسط قناعة سائدة لدى المسؤولين بأن مؤسستنا ستظل تفشل حتى لو ضاعفنا ميزانيتها مائة مرة، والسبب لا يتعلق بافتقاد الجند الشجاعة الكافية ولا المال والتسليح، ولا انهم يسمعون انتقادات قاسية تضعف روحهم المعنوية كما يقول المالكي، بل لان الجند وتضحياتهم المستمرة منذ ١٠ سنوات، ضحية لقرارات سياسية تنقصها الحكمة ولا يمكن الدفاع عنها حتى بمائة مليار دولار ومليون ومائتي ألف جندي.
وخلال العقود الخمسة الماضية، ظلت مؤسسة العسكر في بلادنا مطالبة بأن تتحمل القرارات الحمقاء للطبقة السياسية، وأن تتحمل هزائم الساسة ونقص تدبيرهم وغياب حكمتهم. وفي اعتقادي ان الضابط حين يشعر بأن الشعب والصحافة ساخطان عليه سيحاول تطوير ادائه ليظفر بالبطولة، دون ان يؤدي النقد والغضب الى تخريب معنوياته، لكن شريحة واسعة من ضباطنا (كما اسمع منهم) امام مشكلة اكبر تتمثل بعدم قناعتهم بالقرارات السياسية لرأس السلطة التنفيذي، وسخطهم على وجود ارادات بلا خبرة تتحكم بمصير المؤسسة العسكرية، واجراءات مغلوطة تضعف التنسيق الاستخباري، وفساد مقرون بشراء ذمم، يجري تشجيعه ويفسد كل شيء. وفي وسعك ان تقول مثل هذا عن الكوادر الخبيرة في مختلف مؤسسات الدولة، التي تشعر بالاحباط وبعدم الجدوى وتتلكأ في تقديم الافضل، لانها محاطة ببيئة سياسية فاسدة ومخادعة ومزهوة بالفشل.
ان وجود ١٥ مصنع تفخيخ في بغداد، دليل اضافي على مقدار عماء السلطان وعجزه. انها ١٥ دليلا على وجود ناقصي الحكمة وراء مقود سفينتنا التائهة في لجة الموج هذه. وليس اعتراضنا هو الذي يضعف معنويات الجند، بيد ان شريحة واسعة من الجند يفتقدون لاي معنويات من الاساس، لانهم مؤمنون بأن معظم المعارك يمكن تجنبها لو توفرت طبقة سياسية اكثر مسؤولية واقل فسادا وأصدق لهجة مع النفس.
١٥ مصنع تفخيخ
[post-views]
نشر في: 29 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
رمزي الحيدر
ماذا سيبقى في جيوبهم إذا أعطوا هذه المكافأة !!!.
صفاء الحيالي
المكتشف 15 ... ولكن كم عدد تلك المصانع التي لم تكتشف بعد على ضوء اعداد التفجيرات المتزايدة .