لا يمكن أن تتخيل هذه السيدة الستينية إلا وهي تنظر إلى الأفق تريد أن يبلغ خيالها المعماري أبعد نقطة في العالم، وهي كذلك بالفعل، حيث أعمالها المعمارية ومنشآتها الفنية تنتشر من الصين إلى ألمانيا (لايبزغ - مصنع سيارات بي أم دبليو) ومن اليابان (الملعب الوطني – دورة الألعاب الوطنية عام 2020) إلى دبي (جسر الشيخ زايد) ومن متحف في روما إلى حديقة هايد بارك في قلب لندن، المعرض الذي افتتح قبل أسبوع، عدا مشاريع وتخطيطات على الورق وفي المخيلة وعلى الكومبيوتر تنتظر التنفيذ.
إنها المعمارية الأكثر شهرة في العالم، اليوم، بعد أن حولت المفاهيم إلى تكوينات مادية، ويعمل تحت أمرتها فريق مكون من ثلثمئة وخمسين خبيراً، وعلى الرف جائزة بريتزكر وحوالي أربعين عمارة عبر العالم.
تطرقت زها حديد في حديثها، مع إكسان بروكس (صحيفة الغارديان) إلى وضع تصميم مبنى البنك المركزي العراقي لكنها لم توضح ما إذا كانت شرعت في ذلك أو أن الحكومة العراقية استقبلتها كما يجب وتعاونت معها للبدء في المشروع.
هي امرأة تتمتع بعبقرية عقلية دامية، كما يقول محاورها، كسرت المألوف وابتكرت الحلول لمشاكل المستطيل.
أخيراً، وصلت السيدة زها حديد متأخرة وبشكل دراماتيكي، يقول بروكس، مثلما يحدث في المسرح التراجيدي. شعرها يخفق في الهواء ومعطفها الأسود يتحرك ولها نظرة ثاقبة تمكنها من العثور على مشكلة ما في كل زاوية وركن.
ولدت زها حديد في العراق لعائلة ليبرالية غنية وعاشت في لندن، التي تعدها وطناً، زهاء أربعين عاماً، وعملت في أكاديمية ساكلر، بريكستون، ثم بشكل استثنائي في مركز أكوالتكس بالمتنزه الأولمبي.
شعرت، فور وصولها إلى لندن بأن هذه المدينة تولد الأفكار. كان هذا عندما بدأت دراسة العمارة في السبعينات، حيث كل إنسان يحاول التنبؤ بالمستقبل ويقيم يوتوبيا جديدة.
تقول زها: "عندما يرى الناس شيئاً خيالياً يعتقدون أنه صعب التحقيق في الواقع، لكن هذا خطأ.. يمكنك أن تحقق أشياء مدهشة على أرض الواقع".
فرانك غيهري وصف العمارة بأنها "القوة الاستثنائية للطبيعة". بينما وصفتها المصممة دونا كاران بأنها "الحساسية الأنثوية" و "لمسة الآلهة".
تضيف زها: "حسناً، انها ليست ممارسة عادية"، كما تعترف: "نحن لا نتعامل مع الأفكار المعيارية ولا نصنع بنايات صغيرة لطيفة.
وتستطرد: "يعتقد الكثيرون أن أغلب العمارات مستطيلة، على أساس أنها الطريقة المثلى لاستغلال الفضاء، ولكن هل ستدخل المتنزه لتقول: يا إلهي، ليست هناك أية أركان".
تعترف زها: "إن جميع ما صممته من مبان هو عمليّ تماماً، لكنه شيد وفق أنماط تنظيمية مختلفة، فلا يعقل أن جميع الناس يكتبون بالطريقة نفسها، الأمر ببساطة ليس على هذا النحو".
انا لست سياسية. وإذا كان شخص مثل بشار الأسد على الهاتف طالباً مني أن أبني سجناً في دمشق فأنا سأرفض بالتأكيد، لكنني لا أمانع في بناء مؤسسة مفيدة للسوريين، وأنا مواطنة عربية يمكن أن أبني أوبرا أو دارا للبرلمان، منشأة يتمتع بها الناس، لن أبني سجناً في أي مكان، حتى لو كان سجناً فاخراً!".
تعود زها حديد إلى طفولتها لتزور المدن السومرية العريقة جنوب العراق، حيث "مصدر إلهامها" كما تقول، حيث النهرين وحضارتهما والمناظر الطبيعية الغارقة بالماء.. العراق اليوم منهار ووطني ليس سوى ذاكرة.
وافقت زها على وضع تصميم جديد للبنك المركزي العراقي، بمحاذاة دجلة، بغداد، وهذا المشروع
يعني، بالنسبة لها، العودة إلى بلدها بعد 30 عاماً.
تتذكر زها بيروت، حيث أمضت بعضاً من شبابها، لكن "أجمل الأمكنة اختفت، أو نسفت، الأسواق والمكتبات لم تعد موجودة، ولك أن تتخيل أن تختفي ساحة الطرف الأغر من وسط لندن، عندها سيخامرك شعور بأنك اختفيت أو ضعت".
زها حديد: لن أبني سجناً في دمشق
[post-views]
نشر في: 30 سبتمبر, 2013: 10:01 م