TOP

جريدة المدى > عام > إلى أين انتهى الجيل الشعري السبعيني؟!

إلى أين انتهى الجيل الشعري السبعيني؟!

نشر في: 4 أكتوبر, 2013: 10:01 م

 الجيل الشعري السبعيني في العراق ، كان جيلا" تجسييريا" بين جيل وآخر ، حيث طرح مشروعه الشعري عبر بيانات عدة ، و كان تصادميا" في التحدي و الجرأة و الإعلان و الموقف ، عندما أستنفر أدواته الشعرية في البوح و الدلالة والرمز ، بل و أشهر التمرد على الوا

 الجيل الشعري السبعيني في العراق ، كان جيلا" تجسييريا" بين جيل وآخر ، حيث طرح مشروعه الشعري عبر بيانات عدة ، و كان تصادميا" في التحدي و الجرأة و الإعلان و الموقف ، عندما أستنفر أدواته الشعرية في البوح و الدلالة والرمز ، بل و أشهر التمرد على الواقع السياسي المؤثر و المنعكس على المشهد الثقافي العراقي عموما" ، حيث كان النظام الدكتاتوري مهيمنا" بقمعه و عسفه منذ مجيئه إلى الحكم في انقلاب العام 1968

و تصاعدت هذه الهيمنة ترديا" في الحروب العبثية و المكلفة التي خاضها هذا النظام ، حتى أدى الأمر الى وقوع هذا البلد تحت الاحتلال الأمريكي ، و البقية معروفة كما هي مواجعها الساخنة ، و التي تئن صراخا" و تنزف دما" ، سواء في الإحتراب الطائفي غير المعلن ، أو في التفجيرات الإرهابية المتواصلة من دون الحد منها ، أو في الإغتيالات بكواتم الصوت أو في أدوات أخرى ! 
و من جراء ما حدث و يحدث تردت الساحة الثقافية الى حد البؤس و الانهيار ، و هو واقع انعكس بتداعياته على مجمل مناحي الحياة الثقافية و الاجتماعية و السياسية ، و في خضم هذا التداعي يتساءل النقاد المعنيون بإحباط و يشاركهم في هذا التساؤل الشعراء أيضا" : ماذا حل بالشعر في العراق ، و أين هم كوكبة الجيل السبعيني ، هذا الجيل ( مالىء الدنيا و شاغل الناس ) ؟ 
لنترك الإجابة على السؤال الآنف الى أحد شعراء الجيل السبعيني ( فاروق يوسف ) دونها قبل سنوات عدة ، ربما تكون شافية في الجزء الأكبر منها ، أو هي إجابة في الأقل من داخل بيت هذا الجيل : أين هم الان ؟ لقد تشظوا في بقاع الأرض ، سلام كاظم في فنلندا ، زاهر الجيزاني في أمريكا ، كاظم جهاد في فرنسا ، شاكر لعيبي في الإمارات بعد أن عاش في سويسرا زمنا" طويلا"، هاشم شفيق في بريطانيا ، خزعل الماجدي كان إلى وقت قريب في ليبيا ( يقيم في هولندا حاليا" ) ، كمال سبتي في هولندا) توفي قبل سنوات خلت ) ، و أنا في أسوج 
الآخرون لا أعرف هل ما زالوا في العراق أم غادروه ، غير أنني على يقين من مصير اثنين منهم ، هما صاحب الشاهر و رعد عبد القادر ، الاثنان هما الآن ميتان : الأول مات عام 1982 و الثاني عام 2003 ، الشاهر لم يترك إلا أثرا" شعريا" واحدا" هو كتابه ( أيها الوطن الشاعري ) و لا يفيدنا في شيء ، التفكير في ما يمكن أن ينتج عنه شعريا" لو أنه بقي حيا" ، أما عبد القادر فقد أمهله الموت قليلا" بما سمح له بإنجاز جزء من مشروعه الشعري 
بينما يقول خزعل الماجدي أحد الشعراء المهمين في الجيل المذكور : الشعر العراقي يتنفس بصعوبة في داخل العراق ، في حين أنه أكثر حرية و نضجا في خارجه ، السلفيون و أتباع الدين 
2
السياسي يجرّون الشعر العراقي الى العصور المظلمة بعد أن كان طليعة الثورات في الشعرية العربية و لكنهم لن يفلحوا لأنهم ضد العصر و ضد الحياة 
في حين يقول الشاعر المحبط زاهر الجيزاني في شهادته : اليوم في العراق الحركة الشعرية تكابر في الأخص تيار الحداثة معتمداً على مابقي من طاقة موروثة الخصب ، ببساطة لا يوجد مناخ ثقافي سليم - توجد خرافات تعج في المدن و المشاعر – و هناك متعلمون متطرفون يعملون للأحزاب هم الذين يملؤون المؤسسات ، و سواء في المؤسسات أو خارجها هناك فعل مستمر لتدمير الحياة الثقافية في العراق من خلال التدمير الواضح للبيئة الاجتماعية الذي نشاهده من خلال انعدام الخدمات و فرص العمل و الحرية الشخصية و قذارة المدن و فساد الحكومة و احتقار الثقافة و المثقفين ، كل ذلك يمدنا بانطباع مؤكد أن مستقبل الشعر أعني ( خط تطور الشعر الحديث ) يعاني خطر التوقف و الشعر علامة العراق العالمية حضارياً – و ليست علامته حزب البعث أو حزب الدعوة أو هذا المعمم أو ذاك الجنرال 0 
من هذه الشهادات و الاعترافات لثلاثة شعراء من الجيل السبعيني ، يمكننا القول أن الجيل السبعيني أسوة بباقي الأجيال الأخرى ، خفتت جذوته و تقلصت فاعليته في الساحة الشعرية العراقية الى حد بعيد ، بفعل العوامل التي دهمت العراق ، و أثرت بالتالي سلبيا" على عموم الثقافة العراقية كما أسلفنا ، و قد حاول أكثر من شاعر في هذا الجيل العودة الى العراق و الإقامة بصورة دائمية ، بيد أنهم غادروه محبطين و خائبين ، بعدما فوجؤوا و صُدموا بما حل بالعراق ، ثقافيا" و عمرانيا" و اجتماعيا" و اقتصاديا" و سياسيا" هذا أولا" 
وثانيا" أن ديار الغربة لم تمنح هؤلاء الشعراء دافعا" و تحفيزا" لمواصلة منجزهم الشعري المتألق في العقد الثمانيني ، على الرغم من أن هذا العقد و الذي أعقبه شهدا حروبا" كارثية بالنسبة للعراق ، حتى أن يومياتها الثقيلة و الإجراءات السائدة من خلالها ، كانت جحيما" لا يُطاق لشعراء الجيلين السبعيني و الثمانيني على السواء ، لكن هذه الحروب و الأحداث و النتائج ، ربما كانت من الممكن أن تجعل شعراء الجيل السبعيني و لا سيما الشعراء الذين هربوا الى خارج العراق ، أن يواصلوا تجاربهم و منجزاتهم الى ما هو أكثر حداثة و تطورا" ، لا أن يتقوقعوا في منافيهم القريبة و البعيدة الى حد الجمود ، بل و حتى عدم التواصل مع نتاجاتهم السابقة ، حفاظا" على المستويات التي وصلوا إليها في هذا النتاج أو ذاك 
و على سبيل المثال لا الحصر ، أن شاعرين في الجيل السبعيني : زاهر الجيزاني و خزعل الماجدي ، تسمرا في المراوحة و الإعتكاز على أرثهما السابق في المنجز الشعري ، و لم يواصلا 
3
تجربتيهما في ( النص المفتوح و القصيدة الملحمية ) ، فالجيزاني ظل أسير مجموعته الصادرة في العام 1980 ( الأب في مسائه الشخصي ) ، بعدما راح يطبعها أكثر من مرة ، أي أنه لم يأت بمجموعة شعرية تتجاوزها أو في الأقل تكون بمستواها ، ما عدا قصيدة يتيمة كتبها في العام 2000يقول فيها ، (العراق ينحلّ مثل جدار من الطين وسط الماء ) 
و كذلك الحال مع الماجدي الذي إنهمك في البحث و الكتابة في الأديان و التأريخ القديم و الميثولوجيا أو علم الأساطير ، و بكم هائل من خلال مجلدات عدة ، و لم يأت بعمل شعري ملحمي و متطور أو حتى بمستوى ( يقظة دلمون ) و ( خزائيل )اللذين اصدرهما في الثمانينات من القرن الفائت 
يبقى أن اقول ، أن ما ذكرته من أسماء في هذا الجيل ، إنما يأتي من باب الاستشهاد و المثال العموميين ، و ليس له علاقة بالتراتبية و الأفضلية الإبداعية ، إذ أن كاتب السطور من وجهة النظر الشخصية ، أعتبر أن الشاعر الراحل ( كزار حنتوش ) ، هو أهم و أخطر شاعر سبعيني في العراق ، بيد أن النقاد لم ينصفوه ما عدا الناقد المعروف حاتم الصكر و القلائل من النقاد و الكتاب ، و ربما عدم الإنصاف هذا ، متأت من نمط الصعلكة الذي كان عليه هذا الشاعر 
و عليه ، أنصفته في حياته في الكتابة عنه و محاورته في الصحافة العراقية و العربية ، و ها أنا أعيد الكرة ، مؤكدا"مرة أخرى على إنصافه في مماته و من خلال – ثقافة المدى - و بالتالي ، من منا لا يموت؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram