اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > عمارة "جامعة آل البيت": الدرس الحداثي الأول

عمارة "جامعة آل البيت": الدرس الحداثي الأول

نشر في: 4 أكتوبر, 2013: 10:01 م

في العام القادم (2014)، ستمر الذكرى التسعون لافتتاح أول جامعة في العراق، وذلك عندما تم تدشين مبنى الشعبة (الكلية) الدينية في سنة 1924، أحد مبانٍ عديدة، شكلت مخططا لجامعة واسعة وطموحة، دعيت بـ "جامعة آل البيت". وهذه الحلقة، من زاوية <عمارة..عمارة&g

في العام القادم (2014)، ستمر الذكرى التسعون لافتتاح أول جامعة في العراق، وذلك عندما تم تدشين مبنى الشعبة (الكلية) الدينية في سنة 1924، أحد مبانٍ عديدة، شكلت مخططا لجامعة واسعة وطموحة، دعيت بـ "جامعة آل البيت". وهذه الحلقة، من زاوية <عمارة..عمارة>، مكرسة لعمارة ذلك المبنى الفريد و..المؤسس لعمارة الحداثة في العراق.

تعتبر فترة ما بين الحربين بمثابة مرحلة مهمة في تاريخ العراق المعماري، إذ أرست هذه المرحلة انعطافه مميزة في الممارسة المعمارية المحلية، هي التى انطوت على استخدامات هيئات غريبة لتكوينات مبان ذات مهام إشغالية جديدة، جنبا الى جنب توظيف أساليب إنشائية لم تكن معروفة سابقاً، اتسمت بمهارة وحذق تنفيذيين عاليي المستوى، إلى غير ذلك من المدخلات المعمارية والهندسية الجريئة التي حفلت بها تلك الفترة. لقد مثلت عمارة مبنى "الشعبة الدينية" (1922-1924)، (التابعة لمشروع جامعة "آل البيت" والمجاورة للضريح الملكي في الأعظمية ببغداد) الدرس الحداثي الأول لعمارة الأبنية التي نفذت في تلك المرحلة، والتي امتدت تبعاتها ونتائجها إلى فترة زمنية طويلة نسبياً.
وفقاً للتخطيط الذي اعده جي. أم. ويلسون (1887-1965) J. M Wllson - مدير الأشغال العمومية وقتذاك - لجامعة "آل البيت" فإن مبنى "الكلية الدينية" هو واحد من ستة مبان متكررة يفترض ان تخصص لفروع الجامعة الأخرى، وهي: "الطبية، والهندسة، والحقوق، والآداب، والفنون". وتشكل هذه المباني ايضاً، مع "الصرح المركزي"، المرتكز الأساسي لمنشآت القسم الاكاديمي التي تم توقيعها على جانبي الجادة العريضة المستحدثة في المشروع التخطيطي المقترح. قُدرت المساحة الكلية لمبنى "الشعبة الدينية" بحوالي (4000) متر مربع، موزعة على طابقين تشغلها صفوف مع غرف إدارة ومخازن بالإضافة الى قاعة اجتماعات تتسع لـ (400) مقعد. وتقدر أبعاد كتلة المبنى بـ (27.4 × 66.30م) (30 ×72.5 ياردة). يتشكل مخطط المبنى في مستوى الطابق الأرضي من ممر وسطي بعرض (3) م ينتهي بطرفيه بابان يقودان إلى خارج المبنى؛ وينتظم على جانبي هذا الممر أربعة صفوف من كل جانب، وثمة قاعتان تدريسيتان كبيرتان تقعان في كل طرف من طرفي المبنى الأخيرين. ويقع المدخل الرئيس على امتداد المحور العرضي، وهناك غرفتان مخصصتان للإدارة تقعان على جانبي هذا المحور الذي يقود إلى سلم عريض يؤدي الى الطابق الأعلى والى مدخلي القاعة الرئيسة. ويحيط بالمبنى على امتداده الطولي ومن الجانبين رواق عريض (3.5) م يستند الى عشرة مساند في الجهة الأمامية والى ستة مساند في الجهة الخلفية، وهذه المساند تخلق سلسلة من العقود الدائرية بقطر (3) م تقريباً. (يتعين القول، بأن جميع مخططات المشروع، ذي الأهمية الاستثنائية معمارياً وتاريخياً؛ قد اختفيت أو أُتلفت. والمقاسات المذكورة هنا، هي نتيجة مسح ميداني شخصي، قام به الباحث، في نهاية السبعينات من القرن الماضي. لكن ثمة "بصيصاً من الأمل"، يمكن له أن يعيد "ظهور" تلك المخططات، مرة آخرى. فمن متابعتي واطلاعي، سابقاً، على وثائق تخص "عمارة جامعة آل البيت"، فقد تم دفن أسطوانـة في أساس الصرح المركزي <موقع الضريح الملكي حالياً>، تحتوي على ثلاث خرائط: الأولى خريطة الجامعة العمومية، والثانية خريطة الشعبة الدينية مكتوباً عليها ( تم بناؤها في 9 شعبان سنة 1342) ، والثالثة، خريطة الصرح المركزي مكتوباً عليها ( بدأ بإنشائه في 9 شعبان سنة 1342).
يعالج "ويلسون" أسلوب لغة واجهات الشعبة الدينية بأهلية متمكنة إذ يحرص على تضاد خطوط التقسيمات الأفقية لواجهة كتلة المبنى ذات الأبعاد الطويلة نسبياً (66متراً) مع وضعية اتزان الأعمدة الشاقولية فيها؛ ويجعل من أمر معاكسة شكل الفتحات العليا ذي التناسب العرضي مع عمودية هيئة عقود رواق الطابق الأرضي وسيلة فعّالة في إغناء عناصر تكوين الواجهة وإثرائها. وبغية تحديد وحصر انسيابية "جريان" الحركة الإيقاعية التي تمثل "الموتيف" الأساسي في منظومة جمالية الواجهات، يلجأ المعمار إلى تثبيت كتلتين بنائيتين موقعتين في طرفي المبنى ويجعلهما أعلى منسوباً من مستوى الخط العام لارتفاع الواجهات. وسعياً لزيادة أهمية هاتين الكتلتين في الحل التكويني يتوق المصمم الى تزيينها بتفاصيل عديدة ذات عناصر زخرفية متشابكة.
في الحل التكويني الناجز للأروقة الجانبية لا يحس المرء بضخامة الكتل البنائية على الرغم من ثقلها الواقعي /الفيزياوي؛ ذلك لأن رسوم الخطوط المائلة الوثابة للعقود المتقاطعة وتناوب الكتلة مع الفراغ واستخدام إمكانيات الظل والضوء، فضلاً عن التغير المتناوب لمستويات سطوح التسقيف الذي تخلفه أشكال الأقبية المتقاطعة، تعمل جميعها على "تهشيم" ضخامة الكتل البنائية وتضفي على عناصرها تداعي الإحساس بالخفة والرشاقة. تلعب العقود كمفردة تصميمية أساسية دوراً مهما في الحلول التكوينية لمبنى "الشعبة الدينية" فهي تخلق بتعاقبها الإيقاعي الرواق المقنطر في الواجهتين الأمامية والخلفية عند مستوى الطابق الأرضي. ومن أجل إضفاء وحدة تصميمية على مفردات التكوين، يسعى المصمم لأن يكون القوس الدائري شكلاً مختاراً، لجميع فتحات الفضاءات الموقعة في هذا الطابق من أبواب ونوافذ وغيرها. كما يلجأ المعمار إلى مواءمة غربية بين إحرازات القوس الدائري وتأثيرات القوس المدبب في أشكال العقود التي أوجدها. فانسيابية وهدوء القوس الدائري الذي يمثل شكل العقد الحقيقي تتعاكس مع حركة و دينامية إيحاءات القوس المدبب المتشكل عبر أسلوب خاص من أعمال رصف فوق الفتحة مباشرة، الأمر الذي يخلق من هذا المزيج التصميمي قوة تأثيرية معبرة جراء تشغيل خاصية "التضاد" كعنصر تكويني بأقصى طاقاته. وربما كان ويلسون قانعاً باهتدائه إلى تعبيرية هذه التركيبة التصميمية، فقد ظل يستعمل تلك الصيغة في تكوينات مبان عديدة نفذها بالعراق؛ وسنجد صدى لاستخدامات ذلك المزيج، في عناصر اللغة المعمارية لكنيسة "سان جورج"، التي صممها في الثلاثينات، بالصالحية في الكرخ ببغداد.
تدّل تكوينات ورسوم التفاصيل الأجرية المستخدمة في مبنى "الشعبة الدينية" على مقدرة عالية وفهم عميق لطبيعة المادة التي يتعامل بها المعمار. والحق ان الرصانة الجليلة والحذق المهني الرفيع اللذين يتمتع بهما المبنى مردهما ذلك الثراء التفصيلي الذي يكتنفه، وليس نسك التخطيط أو تقشفه فقط. فتنوع لغة التفاصيل المعبرة، وغناها ووفرتها، هو الذي يفرز تلك الطاقة الآسرة من قوة التأثير، ويجعل من مخطط المبنى العادي والمألوف، تصميماً فريداً ينطوي على إضافات تكوينية بليغة. وتبدو أهلية المصمم واضحة حين يتعاطى مع مادة إنشائية منفردة لوحدها (وهي هنا الطابوق) دون وجل من الوقوع في محفل الرتابة، أو السقوط في طوق الملل.
ومما يؤسف له، ان المبنى الذي اعتبر بمثابة <الدرس الحداثي الأول>، في سجل عمارة الحداثة العراقية، لم يتم الاهتمام به، كمبنى واجب الحفاظ والصيانة، كما هو حاصل في دول عديدة، تراعي وتحافظ على الموروث المعماري لها. إذ أُضيف "طابق" ثالث إليه، واقتطع منه "فضاءه الحيوي المجاور"، وبُني بدلاً منه، منشأ جديد ، لم يراعِ لا مقياس المبنى القديم، ولا مقاسه. وانطوى على لغة "تصميمية" غير متعاطفة ولا منسجمة مع نوعية عمارته وطبيعتها. وكل هذا اثر سلباً في التعاطي بصريا مع المبنى الأصلي. وكان بالإمكان تلافي كل ذلك، بإيجاد موقع آخر، يناسب المتطلبات الجديدة المستحدثة، وليس بالضرورة ان يكون لصق المبنى القديم. لكن عدم المهنية، والتبجح باتخاذ القرارت السريعة "الشعبوية" المتجذرة لدى أصحاب القرار ، جعل من عمارة احد أهم مباني العراق الحداثية، عمارة منتهكة ومسلوبة، بالإضافة إلى "تلويثها" بصرياً!
و"جيمس موليسون ويلسون" المولود في 28 نيسان، عام 1887، في مدينة "دندي" بإسكتلندا في المملكة المتحدة. انهى تدريبه المعماري في مكتب محلي لمدة خمس سنوات، ثم عمل ، لاحقا، مع مكتب استشاري لندني. في سنة 1908، رافق المعمار الإنكليزي المعروف" لاجنس" إلى الهند، وبات ، حينذاك، احد معاونيه الأساسيين في تخطيط "مدينة نيو دلهي" وفي تصميم مبانيها المهمة. انضم الى القوات الإنكليزية التي دخلت العراق، وعين سنة 1918، مديرا لدائرة الأشغال العمومية التي رأسها لحين رجوعه إلى بلده بريطانيا سنة 1926. صمم كثيرأ من المباني المهمة، التي اعتبرت عمارتها، كنماذج مؤسسة لعمارة الحداثة بالعراق؛ منها "مستشفى مود التذكاري" بالبصرة، 1922، ونادي العلوية (بطلب من مس غروترد بل)، ببغداد، عام 1921. وقصر الملك فيصل الأول (لم ينفذ) 1927، والميناء الجوي ببغداد (مطار المثنى) 1931، (بالاشتراك مع ميسون)، وكنيسة سان جورج في كرادة مريم (1936)، ومحطة قطار الموصل (1938)، والمحطة العالمية بالكرخ (1947-1952). وغير ذلك من المشاريع المهمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Architect N

    تحياتي لك د. خالد السلطاني ، أنا من المهتمين بما تكتبه ولكن بعد إذنك ملاحظة صغيرة جداً ، المقال وصفي شيق ولكي يكون شيقاً أكثر أتمنى أن يحوي صوراً وأشكالاً أو حتى اسكتشات لهذا الوصف المعماري الدقيق الرائع لكل جزء من هذه الجامعة العريقة. تقبل إعتذاري وتحيات

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram