اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > شؤون الناس > هذا هو موفق محمد في المفتاح..انطباع

هذا هو موفق محمد في المفتاح..انطباع

نشر في: 5 أكتوبر, 2013: 10:01 م

  منذ نصه الإشكالي المبكر – الكوميديا العراقية- الذي نشره في مجلة الكلمة النجفية أوائل سبعينات القرن المنصرم إلى نصه الإشكالي الأخير ((المفتاح)) الذي نشره في ثقافية المدى في 17/ 9/2013 , يجتهد الشاعر موفق محمد في إنتاج نصوص  مشاكسة و

 

منذ نصه الإشكالي المبكر – الكوميديا العراقية- الذي نشره في مجلة الكلمة النجفية أوائل سبعينات القرن المنصرم إلى نصه الإشكالي الأخير ((المفتاح)) الذي نشره في ثقافية المدى في 17/ 9/2013 , يجتهد الشاعر موفق محمد في إنتاج نصوص  مشاكسة وصادمة ومنحازة في ذات الوقت إلى المحرومين والمضطهدين عبر ترسيخ رؤيته الثاقبة في جلد المستبدين وفضح نواياهم الشريرة.
ولذا فإنه استطاع ان يستثمر طاقات اللغة الشعبية وتوظيفها بما يحقق للنص نجاحه في تحقيق أهدافه النبيلة ,ومن هنا جسد موفق محمد قدراته الإبداعية وخزين تجربته الحياتية وصاغ معطياتها بمهارة فائقة ,وتأكد ذلك من خلال بث الأمثال والأغاني الشائعة في متن نصوصه ,وجعلها ضمن نسيجها بحيث تبدو غير ملصقة أو طارئة ,وإنما هي من أجزاء جسدها المثخن بالفجائع ,ولاشك ان الشاعر امتاز على أقرانه وحقق حضورا لافتا عبر ما أبدعه في أربعة عقود من الشعر والإصرار على مقارعة كل ما يسيء إلى الإنسان باعتباره قيمة عليا لا يحق لكائن من كان ان يمس كرامته ويخدش إنسانيته ,وأزعم ان نصوص موفق محمد تتفوق في تميزها واتساع مديات انتشارها عندما تمس سياطها  أذني المستمع ,على الرغم من ان تأثيرها وهي مقروءة لا يقل عن سماعها مباشرة ,وهي في الحالة الأولى تحدث اندماجا وتفاعلا كبيرا ،وهذا ما يتضح في مطالبات الحضور إلى إعادة مقاطعها والانشداد إلى ما تبثه من إشارات صادمة على عكس ما تتركه قراءة النص مدونا في صحيفة أو مجلة , ومع كل هذا الحضور والفاعلية لا أدري لماذا يصم الناقد أذنيه ولا يعمل في مشغله النقدي كاشفا ومقوما لنصوص هذا الشاعر الكبير الذي أصبح ظاهرة في المشهد الشعري منذ بواكيره الأولى ,في حين تصدى لهذه الظاهرة الباحث ناجح المعموري الذي أصدر كتابا عن تجربة الشاعر أسماه – قبعة موفق محمد – نال اهتمام القراء وحظي بنقاشاتهم المنتجة , وأكدت استنتاجاته ان الشعر مازال يتألق وفند رأي من قال إن الزمن هو زمن الرواية وبرهن على صحة توصلاته بالكشف عن خبايا النصوص وإشكاليات معالجاتها بإيراد شواهد نصية مشعة بما فيها من مضامين ولغة دالة لا تغرق في التعميات المفبركة ..........
لنلاحظ كيف يستثمر موفق محمد الغناء الشعبي في مفتتح – المفتاح – ليلفت انتباه القارئ / المستمع إلى نصه المترع بالشعر والحساسية المفرطة المعبرة عن جوهر الواقع ومشكلاته الراهنة :
- (عني الولف راح / واشلون ارتاح / سد باب كلبي بيده / وضيّع المفتاح ) –   
من لا ينتبه لما سيقوله الشاعر بعد هذا الشدو الحزين ؟ وكيف يستطيع إغلاق مسامعه عن سماع هذا الوجع الذي سيعرضه موفق محمد في مفتاحه .......
ـــ فما الذي سنغنيه يا أبا العزيز / لمن أقفل أمة بأكملها / وأضاع المفتاح ؟ ـــ
والمخاطب الغائب هو الراحل حضيري أبو عزيز الذي صدح بهذه الأغنية في أيام الشباب ,ولنلاحظ مرة أخرى كيف أن موفق محمد طوّر المعنى بسؤاله عما يغنيه لمن أقفل أمة بأكملها ,وبالغ في ظلمه وعجرفته وأضاع المفتاح ........ هنا تتضح إمكانية الشاعر في استثمار المأثور الشعبي وجعله جزءا فاعلا من النص الذي يقوم على الأسئلة ويتشظى في مقاطع محرضة ولاسعة , وتتصاعد ذروة أسئلة الشاعر :  
ــــ بيد من مفتاح باب الله ؟ / أفتونا مأجورين ــــ
وهنا ينحرف الخطاب ليستعين بلغة مسكونة بالتضرع والتذلل لعلها تنتج ما يبحث عنه الشاعر المحاصر بمشكلات الراهن الملتبس بفعل قوى الظلام والجهل والتجهيل .....
يقول موفق محمد :
   ـــــ ومن حسن حظ العراقيين / أنهم يولدون وفي أيديهم / مفاتيح جهنم /
فهم يفوجون فيها / ويلهطون فيها / ويلطمون فيها / و (( جيب ليل واخذ عتابه ـــ
سامحك الله يا موفق فقد أشعلت في قلوبنا ركام العثرات ونزيف الكبوات واستحضرت حجم خسائرنا الفادحة بحسن حظنا لأن مفاتيح جهنم بأيدينا منذ ولاداتنا المشؤومة , ألا يكفي كل هذا العذاب حتى تجعلنا (نفوج) في جهنم و (نلهط) و (نلطم) ،وفوق كل هذا الواقع تسوطنا بــ .. جيب ليل واخذ عتابه ...
أهذا هو ما يستحقه العراقيون بعد كل المرارات والحروب والكوارث والدماء , ترّفق أيها الشاعر فما عادت النفوس قادرة على حمل كل هذا الوجع المتوارث , أما آن الأوان لهذا العراقي أن ينعم بالسعادة والرفاهية والسلام وإلى متى سنظل هكذا ننتظر مصائرنا المجهولة بعد أن أفسد الحياة ودمر مباهجها الظلاميون والباحثون عن الغد الغارق بالويلات والدماء والتطلع لعصور الإبادة والقتل على الهوية؟
الشاعر موفق محمد يتجلى في الكشف عن استخدامات المفتاح وتنوع وظائفه ،فهو ( المفتاح حمامة) و ( المفتاح أفاع ) و (ومفتاح للظلمة) و( المفتاح سيف ) و (مفتاح الجنة) و (المفاتيح لأقفالها) و ( مفتاح بيتي) , هكذا إذاً تتنوع الوظيفة وتتعدد الاستخدامات , لكن الأصل يظل واحدا هو ــ المفتاح ـــ وسيلة فض كل المغلوقات , الرقاب , الأبواب , الجنة , الظلمة , وما عليك إلا أن تختار المفتاح الذي يناسبك إن أتيحت لك حرية الاختيار في هذا الزمن العاهر لتمارس حريتك وتثبت كينونتك وتبرهن للآخر على أنك مازلت إنسانا بلحم ودم ومشاعر وتمتلك القدرة على صنع ما تشتهي وما تريد ....
دعونا نذهب مع موفق محمد هذا المشاكس الراعف المحاصر لنشاهد تنوعات مفاتيحه :
ـــ المفاتيح أفاع / تلتف من حيث لا يعلم / الطغاة على رقابهم الغليظة / وقلوبهم القاسية / لتغرس نيوبها بعيدا في حبل الوريد / فيرتّل السم في دمائهم ترتيلا ... ـــ
و   ـــ في غرف التعذيب / اكتشف الجهابذة المحققون / أن حشر القازوق بالمؤخرة/
هو أيسر الطرق للاعتراف / فأي سر سيبقى بعد فقد العزيزة / ووصول المفتاح إلى الزردوم
و   ــــ أقفل رأسا وضيّع مفتاحا / إلى أن ترى القوم رؤوسا مقفلة ـــ
و  ــــ من يشمر للمترنح بعد منتصف الليل ثقب المفتاح ؟ ـــ
هذه هي تجليات موفق محمد في ـــ المفتاح ـــ وهذه إشكالات استخداماته المتعددة التي تتحول من وظيفة إلى أخرى , ناهيك عن بشاعة بعضها ولا إنسانيتها وفجاجة البعض الآخر الذي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ..... إن موفق محمد المكتوي بجمر الفقد والذي يسيل هما وألما مازال يبحث عن عالم جديد تصان فيه كرامة بني البشر ,وفي زمن لم يعد فيه أحد يجرؤ على الإجهار برأيه المخالف لمن بيدهم سوط الاستبداد القابضين على رقاب الناس بمفاتيح قوازيقهم , ولنا أن نرفع أيدينا ابتهالا ودعاء مع موفق محمد الذي لخص كل أمنياتنا بهذه السطور القليلة:
ــــ اللهم سلّط على كل قفل
في هذه الأمة مفتاحــه
فقد جعلونا فرجة للعالمين ..
.. آمين ... يا رب آمين ........
وأخيرا ..... لابد من الإشادة بهذا النص الصادم وإزجاء الشكر لمبدعه الشاعر الكبير موفق محمد الذي قال نيابة عنا كل ما نفكر به ونتمناه ولن أقول معه ـــ فاغسل يديك من العراق وأهله ـــ فلنا من الأمل ما يملأ القلوب بغد جميل وبحياة لائقة وتأريخنا المجيد شاهد حي على بسالة العراقيين وقدراتهم الأسطورية في تحدي الصعاب ومقاومة الطغاة والأشرار وأعداء الحياة ........
شكراً لك أيها الشاعر المتألق أبداً وشكراً للمدى التي أتاحت لنا قراءة هذا الوجع العراقي الصادق ...
                       ََََََََََََََََََ
((( خارج المتن )))
ضمن تمنياتي الشخصية أقترح على دار المدى أن تبادر إلى طبع مجموعة شعرية لشاعرنا الكبير موفق محمد الذي لم تطبع له أي دار عراقية للنشر مجموعة واحدة رغم أنها ملأت أسواقنا بالغث الكثير , ويمكن لقصائده المنشورة في المدى وحدها أن تكون مجموعة تفي بالغرض مــع التقديــــر....

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

سلطة الطيران المدني تناقش آلية جديدة لترخيص المطارات العراقية

سلطة الطيران المدني تناقش آلية جديدة لترخيص المطارات العراقية

المدى بغداد أعلن رئيس سلطة الطيران المدني العراقي نائل سعد عبد الهادي، اليوم، مناقشة آلية جديدة لترخيص المطارات العراقية.وقال عبد الهادي، في بيان تلقت (المدى) نسخة منه، إنه "تم اليوم مناقشة طبيعة الإجراءات الجديدة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram