TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "لحاف" قنديلة

"لحاف" قنديلة

نشر في: 5 أكتوبر, 2013: 10:01 م

في آخر أيام عمرها اضطرت قنديلة الى كشف سر اعتزازها أمام أبنائها وأحفادها ، بلحافها ، لأنها الوحيدة بين النساء في قريتها احتوى جهاز عرسها على اللحاف ذي اللون الأحمر" نفرين " في وقت كان جهاز العرس ، في يوم اقترانها بزوجها مطلع أربعينات القرن الماضي ، يحتوي سجادة من الصنع المحلي وأغطية صوفية والطشت والإبريق والسلبجة والبريمز النفطي ، مع قدرين نحاسيين ، اما السرير فيكون من جريد النخل والدوشك هو الآخر من الصوف ، يخضع لفحص دقيق قبل الاستخدام ، خشية احتوائه على مايشير الى "عمل" سحر مبيت لبث الكراهية بين الزوجين ، او حرمانهما من انجاب الأطفال .
امتياز قنديلة بامتلاكها اللحاف المصنوع خصيصا لها من قبل اشهر نداف في الولاية ، كان موضع حسد ، وإثارة مشاكل بين العرسان الجدد ، لبروز رغبة لدى الكثير من النساء في الحصول على اللحاف القطني ، والتخلص من الأغطية الصوفية الثقيلة المشبعة برائحة الدخان المنبعث من موقد "المطال والبعرور " ، الرجال اجلوا تلبية الرغبات ، وبعضهم ابدى تذمره واستياءه من حكاية لحاف قنديلة ، ولسان حاله يقول :" المرة المسعدة مو بلحافها بل بحب زوجها " وشعار من هذا النوع من وجهة نظر النساء يعبر عن إفلاس مادي وعاطفي .
أحلام النساء في الحصول على "اللحف القطنية" تبددت بفعل عوامل اقتصادية فرجال "قرية قنديلة" قدرتهم الشرائية لا تتعدى دفع ثمن التتن والشاي والسكر لأسبوع واحد ، وهم ليسوا أصحاب رغبة في اقتناء أشياء كمالية ، واعتادوا على ادخار ما يتبقى من دراهمهم لتغطية نفقات السفر لزيارة المراقد الدينية في المناسبات المعروفة مستصحبين أم الأعيال والأبناء ، والمبيت في "مسافرخانة" ثم التمتع بالنوم ليلة واحدة تحت اللحاف حتى الصباح .
ما ذكرته قنديلة للأبناء والأحفاد في معرض سردها لحكاية لحافها الشهير أنها كانت تخشى عليه من نظرات الحسد ، والتعرض للسرقة ، فحرصت على ان يكون ملازماً لها حتى في سفراتها مع المرحوم زوجها ، لزيارة الأقارب في المدن والقرى ، فتحملت العتاب واحيانا التجريح لحملها اللحاف في حلها وترحالها، وكأنه حاجة نفيسة لاتقدر بثمن ، من مقتنيات الشيوخ والملوك والباشوات ذوي الثروة المالية الكبيرة ، منهم مالك المسافرخانة صاحب الفضل الكبير في تحقيق حلم النساء في النوم تحت اللحاف بجانب الزوج ليلة واحدة بدرهم واحد.
لحاف قنديله بعد رحيلها انتهى به المطاف لدى البنت الكبرى ، فحظيت بحق الاحتفاظ برمز تاريخي مهم ، لأنه منح سلالة الأسرة شهرة واسعة بين اوساط المعارف والأقارب لتداولهم قصة اللحاف وانتقالها للأجيال اللاحقة ، واثر ذلك انتاب البنت الكبرى الغرور ، وأخذت تتصرف بروح تسلطية مع الآخرين ، وتفرض اراءها ومواقفها حتى على الزوج والأبناء ، وكأنها ارتدت قناع رئيس كتلة نيابية ، يريد تمرير قانون بالقوة يخدم مصالح حزبه ، يهدف الى جعل اللحف القطنية غطاء لجميع العراقيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. منتصر ابو سحاد

    هسة قنديلة عدها لحاف لكن هؤولاء منيلهم لحف جاؤا عريانين وانشاء الله يروحون عرييانين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram