هو أحد الأسئلة الأكثر صعوبة في طبيعة الفن وأسلوب عمل الفنان من حيث الباعث والاستجابة والشروع في العمل الذي لا يتقنه إلا الفنانون الذين يسميهم ألكسندر إليوت "أبناء النور".
الموسيقار الشهير أماديوس موتسارت يجهل من أين تأتي أفكاره الموسيقية وكيف: "أمرٌ لا أعلمه أبداً. كما لا يسعني أن أفرض الفكرة فرضاً.. حين أمضي لتدوين أفكاري، أخرج من ذاكرتي ما كان قد تجمّع فيها من قبل وعلى وفق الأسلوب الذي ذكرت. ولهذا السبب فإن الفراغ من التدوين يكون جاهزاً، في الحقيقة، وقلما يكون على الورق مثلما كان عليه في خيالي.. لكن، لماذا يتخذ ذلك الشكل الذي يجعل إنتاجي موتسارتياً يختلف عن أعمال الموسيقيين الآخرين، فهذا أمر لا أعرفه البتة" – من رسالة يُعتقد إنه كتبها نحو عام 1789-.
النقاش حول هذا الجانب من "المشكلة" على أهميته قد لا يكون مجدياً قدر ما يثقل الفن ويمنعه من التحليق، ومهما كان بوسع المرء من تكديس الأدلة فوق بعضها تبقى تلك "الفجوات" الضرورية وكأن الفن بحاجة إليها كي "يتنفس".
  يذهب بيتر إيلتش تشايكوفسكي مذهباً آخر، فالإنتاج الفني "نوع من التحلل الموسيقي للروح، فلا برنامج عمل للانطلاق لأن ما أقوم به هو عملية وجدانية خالصة" ثم يضيف: "لو كانت حالة العقل والروح، تلك التي ندعوها بالإلهام، تدوم فترة طويلة ومن دون انقطاع فإنه ما من فنان يمكنه البقاء على قيد الحياة، ذلك أن الأوتار ستتقطع والآلة الموسيقية ستتحطم".
في الشعر لا يختلف الأمر، كثيراً أو قليلاً، طالما بقينا عند الغامض نفسه: سر العبقرية.
يعزو الشاعر الإنكليزي ستيفن سبندر  عادات الكتاب والشعراء أثناء العمل إلى أنها ليست سوى جزء من التركيز، ويولي سبندر مسألة الانتباه والتركيز أهمية قصوى، وهي قد تختلف من شخص إلى آخر، ولا يعتقد بالطريقة الأسلم للعمل.
بعض الشعراء يكتبون قصائدهم دفعة واحدة وقلما تحتاج إلى تنقيح ، وبعضهم الآخر يكتبونها على مراحل "فالمهم هو تكامل الهدف وقدرة الحفاظ عليه من دون أن يفقد المرء ذاته. أنا نفسي، يقول سبندر، قلما أكون قادراً على التركيز الفوري في شعري، فذهني غير واضح وإرادتي ضعيفة وكثيراً ما أعاني من تزاحم الأفكار ومن الإحساس الضعيف بالشكل.. كما أجدني، مقابل كل قصيدة، أبدأ بكتابتها، أفكر بعشر قصائد على الأقل لا أدونها إطلاقاً، ومقابل كل قصيدة أدونها هناك سبع أو ثماني قصائد لا أكملها" – (الإبداع – نصوص مختارة، ترجمة عبدالكريم ناصيف).
لكن، أليس ثمة شاعر يكتب قصيدة خاطفة بلا توقف ولكنه "يتوقف" كثيراً في قصيدة أخرى قد لا تكتمل إلا بعد أيام، شهور، سنوات؟
على أن التنوع في أساليب العمل ضروري جداً، بل أن على الفنان نفسه، أن يغير من وجهات نظره (قناعاته) بين فترة وأخرى كي يتوفر على إمكانات متعددة تتيح له خيارات متعددة تغني أفكاره وبالتالي موهبته، بما يشبه "الرياضة الذهنية" حسب وصف ألكسندر إليوت: "الذهن السائر باتجاه واحد، دائماً، ينتهي إلى الضمور، ومن مفاتن دراسة الفن إنها تتطلب، دوماً، تحولاً في وجهات النظر.. فإذا كان التاريخ نهراً من الدم، كما قيل، فإن الفن أشبه بأسطول من السفن البلورية التي تمخر ذلك النهر جيئة وذهاباً، وكل سفينة ترفع راية جديدة في كل سفرة جديدة وتحمل كنزاً جديداً" – (آفاق الفن، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا).