أقرأ في كتاب جديد عن نلسون مانديلا ، وأرى على مدى الصفحات الأربعمئة كيف أن المتسامح هو الذي ينتصر في النهاية .. وأن الفوز دوما لدعاة الحياة لا لمروجي الكراهية والحقد والموت .. قاد تشرشل بريطانيا للنصر في الحرب العالمية الثانية .. لكنه خسر سباق السياسة أمام رجل نحيل جاء من بلاد الهند يجر وراءه معزة أكثر منه نحولا، عندما أعيد قراءة سيرة مانديلا أبحث عن اسم الرجل الذي قرر أن يودعه عتمة السجن، فلا أجده، فقط ظل وحده الحاضر الوحيد في السلطة وخارجها، سجينا وحرا، يملأ المدن الكبرى بسلوكه العفوي، يصر على أن يعلّم أبناء وطنه في لحظة حرجة: أن " الوطن لن يبقى قائما ، إذا سقطنا في بئر الكراهية والثأر " .
بالأمس حدثني صديقي عن أحد أقاربه من ضحايا انفجار الأعظمية، نصفه شيعي والنصف الآخر سني .. حيث اختلط الأقارب في العزاء والحزن ، في الوقت نفسه كان هناك رجل معتوه يجوب شوارع الأعظمية مرددا شعارات طائفية ، تحت سمع وبصر وحماية القوات الأمنية التي تمني النفس دوما أن تنتقل سلطة تنفيذ القانون إلى الميليشيات، وأن تتحول رغبة فرض الأفكار بـ"مكبرات الصوت " ورشق الآمنين بالحجارة وتخويفهم بسلاح التهجير.
لا أدري ما سر المصادفة بين استرجاع مانديلا ، ومشاهدة مسيرة " ثائر الدراجي" قائد غزوة الأعظمية، لكنه يكشف لنا حتما ان اصحاب الانتصارات في تاريخ البشرية ، لم يكن احد منهم يحمل بذرة حقد أو ضغينة واحدة ، . أسترجع غاندي و مانديلا ولي كوان ولولا دي سيلفا .. وأنظر في المقابل إلى وجوه عشرات الرجال من الذين خذلوا العراق ، ونهبوا ثرواته وشردوا أبناءه في طرقات الغربة، ونشروا ثقافة الطائفية والجهل وقطع الرؤوس وكواتم الصوت .
الذين هزموا الظلم والتخلف والاستبداد ، لم يكونوا يرفعون أصابعهم في وجوه خصومهم ، لم يشتموا أحداً ولم يسخّفوا معارضيهم ،ولم يكونوا قادة معارك ، بل رجال بناء ومصالحات .. في دول التسامح استعاد الناس حرياتهم كأفراد وبشر. وخرجوا من الظلمة إلى الحياة، ومن الزعيم الأوحد إلى الرئيس المواطن .
في الأيام الماضية عاشت بريطانيا تفاصيل المعركة التي تخوضها صحيفة الديلي ميل ضد رئيس حزب العمال " أد مليليباد " حيث خرجت الصحيفة بمانشيت مثير يقول " الرجل الذي يكره بريطانيا " تناولت فيه مقتبسات من مذكرات والد رئيس حزب العمال ، عندما كان في سن السابعة عشرة من عمره حيث كتب آنذاك مقالا انتقد فيه سياسة المملكة .. البعض اعتبر المقال ضربة سياسية موجهة ضد رئيس الوزراء المنتظر ، بعد أن صعدت شعبيته مع اقتراب الانتخابات العامة .. الغريب أن حزب العمال الذي ينتظر فوز رئيسه بانتخابات عام 2015 ، لم يصدر بيانا للدفاع عن زعيمة .. لكن الرد جاء ، من قبل خصمه رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون الذي اعتبر المقال والضجة التي أثيرت حوله ، محاولة اغتيال سياسي غير مبرره ، فيما وجّه الخصم الآخر رئيس حزب الديمقراطيين رسالة دافع فيها عن غريمه ، مطالبا إياه بمواصلة مسيرته السياسية الناجحة ، مقدما له النصح في عبارة احتلت واجهة معظم صحف بريطانيا قال فيها : في السياسة تركل الكرة وليس اللاعب "
انتهى عصر الوجوه المنتفخة والحاقدة ، فيما نحن لانزال نعيش في ظل المالكي الذي يتمنى أن يستيقظ ذات يوم ليجد خصمه علاوي قد اختفى من الوجود وأصابه زلزال.
تتوالد وتتكاثر الأحقاد والضغائن في المناخات الملوّثة بوباء الطائفية والاستبداد . راجعوا معي حكايات الديكامريون التي رواها لنا الإيطالي بوكاشيو ، كيف تُخدع الناس بخطابات وشعارات أكثر فتكا بالبلاد من وباء الطاعون .
لم يبقَ حلم في أقصى مدن العراق ، إلاّ ونهب وخرّب . لم يبق بيت إلا وزرعت فيه بذرة الطائفية .. لم يبقَ ترمّل أو تهجير اوقتل على الهوية ، إلا نُشر ورسخ. لماذا ؟ لأن مختار العصر يريد أن يبني مجده على أن يخالف لا أن يصالح . يريد البقاء ، لأنه قوي لا، لأنه عادل ومتسامح وكفوء .
المالكي وعلاوي في النسخة الإنكليزية
[post-views]
نشر في: 8 أكتوبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
منتصر ابو سحاد
نعم استاذ علي ان الرجل اختفى واصابه زلزال الهزيمة الرجل خذل الملايين اللذين انتخبوه ورفع الراية البيضاء امام خصومهم من خلال تصريحاته المذلة هل تعتقد ان هذا الرجل يستطيع ان يقود ملايين وهو يصرخ باعلى صوته اني اخاف ان ادخل بغداد لكون خصومي يريدوا اغتيالي كي