العراقيون على خلاف شعوب الأرض ، تآلفوا مع الحزن ، منذ قرون ، لان تاريخهم حافل بأحداث تشير الى موت الملايين منهم نتيجة والحروب والأمراض والأوبئة والفيضانات والتعرض لهجمات غازية من الشرق والغرب ، والأرض العراقية ، يصفها المؤرخون بانها بيئة صالحة للكوارث غير الطبيعية في إشارة الى ولادة سلطة على انقاض أخرى ، بالقتل والتنكيل بمعنى أدق عن طريق انقلاب ، تصاحبه عمليات تصفية وملاحقة لرموز السلطة السابقة ، لتوطيد قوة ورسوخ وثبات السلطة الجديدة ، وعلى هذا المسار الممتد على مدى مئات السنين ، برز صوت ليست له علاقة بالسلطات ، يستغيث ، و يصرخ "نحن ننقرض".
مع مرور الزمن وباستخدام أسلحة وأساليب قتل حديثة تعددت أسباب الانقراض البشري في العراق ، والجهات المعنية ترفض الكشف عن عدد ضحايا العنف ، والاعتداءات الإرهابية منذ الغزو الأميركي وحتى دخول الحكومة الحالية العام الأخير من عمرها ، فيما ذكرت تقارير دولية أرقاماً مرعبة جسدت حقيقة القول "نحن ننقرض " وسط غياب الاهتمام الرسمي بالتصدي للكارثة باعتماد خطوات جدية تضمن استقرار الأوضاع الأمنية ، او في اقل تقدير تقنع المعرضين للانقراض بان عزرائيل غادر الأراضي العراقية ، بحثا عن بيئة أخرى صالحة لنشاطه.
سيدة عراقية في السبعين من عمرها فقدت ثلاثة من أحفادها في تفجير سيارة مفخخة في منطقة الشرطة الخامسة ، قالت إنها منذ اكثر من أربعين عاما ترتدي الحداد ، فطيلة السنوات الماضية لازمت اللون الأسود تارة على ابنها البكر الضابط الاحتياط في الجيش قتل في الحرب العراقية الايرانية ، ثم على زوجها ، وشقيقها وابنها الأصغر والان على أحفادها ، وهذه السيدة قد تكون نموذجا لإعطاء صورة حقيقية على الحزن المتواصل ، وهي لا تحمل "عزرائيل السماء" مسؤولية حصد الأرواح ، وإنما تتهم من تقمص دوره في الأرض ، ليقتل الأبرياء خارج القانون الإلهي.
العراقيون يستقبلون يومهم بانفجارات سيارات مفخخة وعبوات ناسفة ، والكاتم له نشاط اخر في الشوارع العامة ، ودور الأجهزة الأمنية ، حسبما تذكر وسائل الإعلام ، يقتصر على الوصول الى مكان الحادث ، لنقل الجرحى الى اقرب مستشفى ، والقتلى لدائرة الطب العدلي ، وفتح تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث في مسلسل اليومي .
تهديد السلم الأهلي بمحاولات إعادة الاقتتال الطائفي هو البوابة الواسعة لإشاعة الموت المجاني إرضاءً لنزوات متشددين ، تقمصوا دور عزرائيل في الأرض العراقية ، فحشدوا جميع إمكانياتهم لإشاعة الخراب والدمار ، وجعل الحزن علامة العراقيين الفارقة على مدى العصور والأزمان، بنبش التاريخ واستحضار ما فيه من خلافات عقائدية ، وطرحها في الوقت الحاضر بهدف تأجيج النوازع الطائفية ، ولذلك برزت دعوات تطالب مجلس النواب بتشريع قانون يقضي بتجريم المسيئين للرموز والشخصيات الدينية ، استجابة لنداء "نحن ننقرض "
نحن ننقرض
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2013: 10:01 م