مرت في الأيام الماضية الذكرى المئوية الثانية لولادة جوسبه فيردي أعظم مؤلف أوبرا في التاريخ. لكن يبدو لي أن الاحتفاء العالمي بهذا العبقري أقل لمعاناً وصخباً من الاحتفاء بريشارد فاغنر، الذي ولد في نفس العام. ليس لأنه أقل شأناً أو أهمية من قرينه، بل لرب
مرت في الأيام الماضية الذكرى المئوية الثانية لولادة جوسبه فيردي أعظم مؤلف أوبرا في التاريخ. لكن يبدو لي أن الاحتفاء العالمي بهذا العبقري أقل لمعاناً وصخباً من الاحتفاء بريشارد فاغنر، الذي ولد في نفس العام. ليس لأنه أقل شأناً أو أهمية من قرينه، بل لربما بسبب شخصية فاغنر المعقدة والخلاف الذي لا يزال يثيره حتى اليوم بعد مرور مئة ونيف على وفاته. والحق يقال، لا تنقص فيردي المهرجانات والاحتفالات التذكيرية به وبأعماله، فلا نجد دار أوبرا محترمة في العالم لا تضع في برنامجها اوبرات فيردي.
لكني اليوم لن أذكره ارتباطاً بأعماله الأوبرالية (أو قداسه الجنائزي الرائع)، بل برباعية وترية يتيمة وحيدة، هي واحدة بين اثنين فقط من الأعمال الموسيقية الصرفة التي كتبها فيردي (الثاني هو رومانس بلا كلمات ألفه في 1865) . هذه الرباعية في سلم مي الصغير (أنجز تأليفها في 1873) هي للاستعمال الشخصي، أي أن فيردي لم ينو نشرها، فقد ألفها على سبيل تمضية الوقت، كأنه كان يقتل وقته في حل الكلمات المتقاطعة أو شيء من هذا القبيل.
لكن هذه الرباعية النادرة ليست موسيقى "خفيفة" كما يبدو للوهلة الأولى. جوسبه فيردي في هذه الرباعية أظهر براعته في التأليف المعقد في قالب الرباعية الوترية الصعب. أقول الصعب، لأنه بعد هايدن وموتسارت، وعلى الخصوص بيتهوفن، صعب على الموسيقيين الارتقاء بهذا القالب الموسيقي إلى إنجازات تفوق إنجاز هؤلاء العباقرة. لكن ذلك لم يكن بالأمر المستحيل: فقد أنتج عدد من الموسيقيين رباعيات ستحتل مراتب متقدمة في سجل تاريخ الموسيقى. فما أنجزه مندلسون وشومان وبرامز وديبوسي ومن ثم شوستاكوفيتش وسترافنسكي وغيرهم لا يقل في قيمته شيئاً عن أعمال السابقين.
يبقى علي أن أشير، بالارتباط مع تشابه الاسم، إلى الأخوين الموسيقيين المرحوم فريد الله ويردي ومنير الله ويردي (أطال الله عمره)، فالاسم يلفظ فيردي بالكثير من اللغات الوسط – أوروبية. الأول هو مؤلف موسيقي عراقي بارع، مؤلف أول نشيد وطني عراقي للجمهورية العراقية، وصاحب القصيدة السيمفونية "المنصورية"، أحد أهم الأعمال الموسيقية الاوركسترالية العراقية. أما الأستاذ منير الله ويردي المهندس القدير والخبير المتقاعد في منظمة التطوير الصناعي في الأمم المتحدة (UNIDO) الذي يقيم في فيينا، فهو عازف أوبو ماهر، ولا يزال نشطاً في تقديم أعمال الحجرة مع موسيقيين نمساويين، في فيينا إحدى عواصم الموسيقى الأوروبية العريقة، رغم تقدمه في السن. نتمنى لـ "فردينا" وفناننا الكبير الحيل والقوة.
جميع التعليقات 1
ثائر صالح
أود أن أشكر الاستاذ الفنان أحمد الجوادي لتصويبه الكاتب، إلى أن الاستاذ منير الله ويردي يعزف على الكلارينيت وليس الاوبو.