TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لست سائق (تاكسي)!

لست سائق (تاكسي)!

نشر في: 11 أكتوبر, 2013: 10:01 م

يحمل شهادة دكتوراه ويعمل أستاذا في الجامعة، لم يسكت عن حالة فساد شهدها في قسمه فلم يسكتوا عنه أيضا وتم إيقاف راتبه لشهرين ذلك لأن من ضبطهما بالجرم المشهود كانا مسنودين بشدة من ظهور قوية..
"لست سائق تاكسي".. كان حريصا على إبلاغ الركاب بذلك كما قال لي قريبي فهو لا يعرف السرقة ولا يجيد عملا آخر وليس أمامه سوى سيارته الخاصة ليستغلها في منافسة سيارات الأجرة باصطياد بضعة ركاب يوميا على استحياء والعودة إلى أسرته بالخبز ومتطلبات اليوم....
"لست سائق تاكسي" قالها لي أيضا سائق شاب استاجرت سيارته ودون أن أسأله وكأنه يدفع تهمة عن نفسه..!.. قال انه تخرج من كلية الهندسة ولم يجد وظيفة حكومية وحين عمل في القطاع الخاص كان عليه أن يسكت عن سرقة كبرى لصاحب الشركة أو أن يشارك فيها ففضل الانسحاب خوفا من أن يصبح كبش فداء فيخسر فرصة العمل ومستقبله معا..
"لست سائق تاكسي" عبارة يرددها موظفون لا يكفيهم الراتب وخريجون يبحثون عن وظائف حكومية وأصحاب أسر كبيرة لا تكتفي بريع عمل واحد ولا يرددونها تكبرا على هذه المهنة الشريفة التي تحصن المرء من السرقة والاستجداء وغير ذلك بل ليبرروا لأنفسهم قبل غيرهم ممارستهم مهنة لا علاقة لها بتحصيلهم الدراسي أو مجالات خبرتهم..إنها المرارة التي تعلق في سقف الفم فلا يخفف منها أحيانا إلا الشكوى لله وللبشر..
"لست سائق تاكسي "، قالها هذه المرة شاب أجاد الاعتناء بمظهره العصري جدا وحرص على بث آخر تسجيلات الطرب الشبابية من مسجل سيارته وكانه على استعداد للتعارف مع أية فتاة يمكن أن تستأجر سيارته..حاول الشاب أن يدفع عن نفسه هذه المرة صفة (السطحية والتفاهة) فقال انه يفضل التجوال في الشوارع للعمل وقضاء الوقت الذي يمكن أن يهدره في التسكع ففي انتظاره أسرة كبيرة العدد تضم والدته الأرملة وأشقائه الصغار وشقيقته الأرملة وأولادها الأيتام وكلهم لا يملكون سوى راتبي الأرملتين ولا يكفي ذلك لسد معيشتهم لذا فضل ترك دراسته الجامعية والعمل كسائق سيارة أجرة، أما اعتنائه بمظهره فهو محاولة لرد الاعتبار لنفسه والتعرف على فتيات لإشباع عاطفته فهو محكوم عليه ب(العنوسة) لضيق منزل أسرته وقلة حيلته..
هؤلاء، يسيرون في دروب لا يعرفون إلى أين ستقودهم فقد اعتادوا التجوال في الطرقات وكسب قوت يومهم بينما تغفو أحلامهم ككل العراقيين بالعمل الكريم والسكن الملائم والحياة الآمنة والضمان الاجتماعي في ملفات مخبوءة في إدراج الحكومة لأن مجرد مناقشتها يخلق خلافات لا تنتهي بين النواب والوزراء وأعضاء القيادة...انهم يؤجلون كل شيء حتى تنفرج الأزمات السياسية ويواصلون انشغالهم باستهلاك حياتهم فيركضون كأحصنة معصوبة العينين في سباق ارعن ومن دون أن يعلموا من نظم هذا السباق...لم يعودوا يذكرون من أين انطلقوا ولا يدرون إلى أين يذهبون..وفجأة يكتشفون أن أحبتهم بدأوا يتساقطون ويختفون وينسحبون من السباق فلا يجدون الوقت للسؤال عنهم فيعودوا صاغرين ليركضوا من جديد في سباق إلى حيث لا يعلمون..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram