يلجأ طرفا الصراع في سوريا إلى التصعيد، عشية الانعقاد المحتمل لمؤتمر جنيف الثاني منتصف الشهر المقبل، في ظل الضبابيّة المحيطة بالتفاهم الدولي والإقليمي حول الوضع السوري، والواقع الهش للمعارضة، التي تعلن رغم ذلك رفضها أيّ حوار مع نظام الأسد، وتمسكها بتنحيه قبل الدخول في أي عمليّة تفاوضيّة، في حين تُعلن دمشق وعلى لسان الرئيس، رفضها التفاوض مع المسلحين، إلاّ بعد ان يضعوا أسلحتهم، ما يُبدد الآمال بالتوصل إلى حل سياسي، ويُهدد بالمزيد من الدمار لسوريا، والموت لمواطنيها.
يتجاهل الطرفان أن مجلس الأمن الدولي، يتبني الخطة المتفق عليها في جنيف الأول للانتقال السياسي في سوريا، ويؤكد ذلك تمسكهما بمواقفهما، بعيداً عن إرادة المجتمع الدولي، وإذا كان البعض يرى في هذا التصعيد، محاولة لتحسين الموقف التفاوضي، يترافق مع السعي المحموم لتحقيق "انتصارات" عسكرية على الأرض، فان القوى المعادية لكليهما تنتهز الفرصة، محققةً وجوداً غير شرعي على الأرض، يكتسب شرعيته الخاصة من القوة المدمرة، التي يفرضها على الجميع.
في محاولة تحسين موقفيهما يتسابق الطرفان على استرضاء الغرب، واستعدائه على الآخر، فيعلن الأسد ديمقراطية نظامه وأنه لم يعدم شخصاً واحداً، استناداً إلى قانون يُجرّم الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبأنّه لا يعتقل أحداً بسبب رأيه السياسي المعارض، ويؤكد أن هناك اليوم في سوريا معارضةً علنية، بينما يؤكد معارضوه وجود عشرات الآلاف من السجناء المخطوفين، ليس فقط بدون محاكمات، بل إنهم يموتون تحت التعذيب، وبسبب سوء المعاملة وانتشار الأمراض ومعظمهم تم اعتقالهم على الشبهة، والطريف أنّ كلا الطرفين يجد من يصدقه، ويثق بأقواله.
في إطار المناورة، يتمسك الأسد بحقه في الترشح لولاية جديدة، ويؤكد عدم قلقه على مصيره، وهو يشعر بأنّ الشعب السوري يقف وراءه، لكنّه يعترف مواربة، بأن حكومته ارتكبت أخطاء خلال حملتها الأمنية في البداية، لكنّه ما زال متمسكاً بقراره في مكافحة الإرهاب، باعتبار أنّ كل معارضيه ينتمون إلى تنظيم القاعدة، والمعارضة من جانبها، تؤكد أنها لن تحضر بشروط جنيف 2 الحالية، حتى لو قُطع رأسها، وبشروط المعارضة والأسد، لا يمكن ل"جينف2" أن ينعقد أبداً.
اختلطت الأوراق على كلّ المستويات في الأزمة، بعد صفقة الكيماوي، وتراجع أي احتمال في أن توجه أميركا للنظام السوري أيّ ضربة عسكرية، وبدأ الكلّ بإعادة حساباته، في إطار ميزان الربح والخسارة، حيث لا يملك أي من الأطراف الزعم بتحقيق نصر عسكري، وهذه القناعة في واشنطن، دفعتها إلى توحيد جهودها الدبلوماسية مع موسكو، بحثاً عن حل سياسي عاجل لإنهاء الصراع، ما يعني بالتالي أنّ المجتمع الدولي بات يبحث عن أي حلّ يُنقذ سوريا من الانهيار، أو السقوط في حرب أهليّة طويلة الأمد، ستنثر شررها على دول الجوار.
يرى كثير من المُحللين أن جينف 2 إن قيض له الانعقاد، في ضوء الحسابات الدولية والإقليمية الراهنة، لن يكون أكثر من إعادة لسيناريو "الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، أو على غرار "اتفاقية دايتون" التي أنهت الحرب بين الصرب والكروات والبوسنيين، وذلك وفقاً لمبدأ لا غالب ومغلوب، وبحيث يخرج الكلّ نصف منتصر ونصف مهزوم، وبما يحفظ ما تبقّى من ماء وجه النظام والمعارضة في آن معاً، لكن السؤال في ظل التعنت القائم، هل ينعقد جنيف الثاني؟.
هل ينعقد جنيف2؟
[post-views]
نشر في: 11 أكتوبر, 2013: 10:01 م