اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > برلمان الباص.. نقاش وشكوى من تردي الأوضاع وطرائف بين الراكبين!

برلمان الباص.. نقاش وشكوى من تردي الأوضاع وطرائف بين الراكبين!

نشر في: 12 أكتوبر, 2013: 10:01 م

تحسَّر أبو جمال وهو يهم بالصعود في سيارة الباص المتوجهة من مرآب المشتل باتجاه الباب الشرقي،كانت عقارب الساعة تشير الى السابعة والنصف صباحاً ،وصوت السائق  يملأ أرجاء المرآب غير النظامي (باب الشرجي عالسعدون)، السيارة بحاجة الى ثلاثة أشخاص حتى تنطل

تحسَّر أبو جمال وهو يهم بالصعود في سيارة الباص المتوجهة من مرآب المشتل باتجاه الباب الشرقي،كانت عقارب الساعة تشير الى السابعة والنصف صباحاً ،وصوت السائق  يملأ أرجاء المرآب غير النظامي (باب الشرجي عالسعدون)، السيارة بحاجة الى ثلاثة أشخاص حتى تنطلق في مهمتها.
ينظر أبو جمال الى وجوه الراكبين وكأنه يتفحّص ما يخفي كل وجه من حكاية في هذا الوطن المبتلى، امرأة مسنـِّة تلتحف ثياب السواد تسأل السائق عن مكان مستشقى ابن النفيس للامراض القلبية؟ رجل يرتدي العقال والكوفية والدشداشة يواظب على  التدخين على الرغم من ضيق المكان وتذمر بعض الجالسين في الباص لكنه من غير مبالاة يواصل التدخين، صوت السائق يشير الى حاجة الباص الى راكب واحد، وتحقق ذلك بصعود شاب يرتدي بنطال جينس وفانيلة سوداء. المولات في بغداد
الشاب الذي يرتدي الفانيلة  السوداء بدا مستغرباً  من حديث ابي جمال عن المولات، وزاد استغرابه اكثر عندما اضاف ابو جمال" ان المولات انتشرت في بغداد وبقية المحافظات وكانت مدعومة من الحكومة بأسعار مناسبة وتسمى الاسواق المركزية ولا زالت مواقعها موجودة وبعضها يحتاج الى ترميم ولا ندري لماذا تتجاهل الحكومة  تلك البنايات ،بل قيل انها ستسلمها الى شركة اماراتية لاستثمارها لعقود طويلة؟" (الله لا يوفقهم.. بس يهدمون ما يبنون!)  جملة قالتها بحرقة المرأة المسنة مضيفة (من يوم الإجونه ما شفنه راحة...الله لا يوفقهم)، صوت السائق  وهو يطالب بتبديل الف دينار مثلوم قليلا من احد اطرافه، الباص سادها الصمت ولم يرد احد على السائق الذي جاء رد فعله سريعا على صمت الجلوس قائلا (أشتم  الدفعلي هذا الألف) ، امرأة  يدل مظهرها على انها موظفة حكومية لم تتوانَ بالرد على السائق (ليش تشتم أخي موعيب،انطيني الألف أبدله ولا تشتم).
واستجاب السائق لمطالبة المرأة بعدم الشتم لكنه في الوقت نفسه قام باستبدال الالف دينار،مع تذمر واضح و(بسبسة) خافتة من قبل الجالسين استهجاناً لتصرف السائق!
أبطال العالم المعاقون
مرت السيارة على مستشفى ابن القف للمعاقين  وحينها صاحت المرأة المسنة على السائق قائلة (يمه هذا مستشفى ابن النفيس) فقال لها (لا...يمه بعد، هذا مستشفى للمعاقين) ،حينها تحول الحديث بشأن المعاقين ايام حروب صدام،والمعاقون بسبب العمليات الارهابية التي حدثت ما بعد التغيير،احد الجالسين قال وقد علت وجهه ابتسامة ساخرة: نحن ابطال العالم لذوي الاحتياجات الخاصة لكثرة ما تعرض له الشعب من حروب وعمليات ارهابية. ردَّ عليه راكب آخر كم من مستشفى مثل ابن القف يجب ان توفر الدولة مع استمرار الخروقات الامنية، تحنحن راكب قائلا: وكم من بنايات نحتاج للطب العدلي لان البناية الموجودة قرب مدينة الطب لم تعد قادرة على استيعاب الشهداء الابرياء،ابو جمال بدوره أوضح ان المتحدث الاعلامي السابق لرئيس الوزراء علي الدباغ صرح للوسائل الاعلامية بأن الحكومة عازمة على بناء طب عدلي حديث وبملايين الدولارات،وما ان انتهى ابو جمال من كلامه حتى تحدثت المرأة المسنة قائلة (جا الدباغ من دبغه البين ..جان يدري شراح يسوي الارهاب بينه)!
ضحك الجميع لكلام المرأة وقطع تلك الضحكة صوت الشاب قائلا: والله خاله  الدباغ وغيره من السياسيين همه اليفجرون بينه ..هذوله الما يخافون الله.. قالت المرأة الموظفة الله لا يوفق من يضر بالشعب،واتمنى عليهم ان يأخذوا عبرة من مصير صدام وان لا يتفننوا بقتلنا وسرقتنا بحسب قولها.
كذبة مبررة على الهاتف
رن الهاتف على رجل تشير ملامح وجهه أنه تجاوز عمره الاربعين عاما،ومن خلال حديثه بصوت جهوري فهمنا بأن احد الاقرباء اتصل به ليقول له: سنأتي اليوم مساءً انا والعائلة لزيارتكم في البيت،لكن جميع الراكبين تفاجأوا برد الراكب بانه هو والعائلة غير موجودين في بغداد وهم الآن في النجف لغرض الزيارة،الراكبون التفت بعضهم للبعض مستغربين من رجل تجاوز عمره الاربعين ويكذب  وحين انهى المكالمة،  قال: اعرف بانكم مستغربون من مكالمتي وكذبي على هذا الرجل ،نعم هو من الاقرباء ،بل انه احد ابناء عمومتي ولكن لا يمر اسبوع الا هو وعائلته في بيتي ،والقصة  ليست  موضوعة طعام انما لديه اطفال كالشياطين وفي كل مرة يأتون يعبثون بكل شيء،مرة كسروا التلفزيون ومرة اخرى الحاسبة من دون ان يجدوا رادعاً من ابيهم او امهم،لذا آثرت الكذب عليه فرد عليه الرجل صاحب العقال (والله حقك)،المرأة الموظفة قالت بدلا من الكذب ياأخي كان من المفترض ان تصارحه بالأمر وتنهي المشكلة ،لانك هذه المرة انقذتك  قصة النجف المرة المقبلة كيف تتخلص منه؟ ضحك احد الركاب وهو يقول: (يخلصها محافظات) ليضحك الجميع حتى صاحب الكذبة.
تفجير فندق القناة
كان  ابو جمال  قبل حادثة الهاتف الخلوي ينظر الى  يمينه صوب مقر الامم المتحدة  في فندق القناة الذي تعرض الى عملية ارهابية ، حيث قام انتحاري في عام 2003 بتفجير شاحنة مفخخة  استهدفت احد اركان  الفندق الذي كان يضم مكاتب الامم المتحدة ،وفي حينها  اسفر الحادث  عن مقتل مبعوث الامم المتحدة البرازيلي سيرجو دي ميلو واكثر من عشرين شخصا عراقيين واجانب، وكان ابو جمال  يتساءل مع نفسه،لماذا مرت عشر سنوات على ذلك الحادث الاجرامي وما تزال آثار الحطام تملأ غرف الفندق وموقع التفجير يحيلك الى صورة مكان تعرض لهزة ارضية من دون ان تهرع اليه اية اغاثة حتى يومنا هذا؟ ويردد ابو جمال مع نفسه متسائلا: هل تريد الحكومة ان تمجد بطولات الارهاب؟!
(يمه كرصتني العكربه)
سيارة الباص كل شيء فيها يحيلك الى مشهد الاهمال اقمشة المقاعد ممزقة ولزيادة عدد الراكبين استحدث صاحبها مقاعد جديدة بحيث اصبح مـدّ الساقين بين المقاعد امراً مستحيلا،كل هذه الاشياء كان يدونها ابو جمال،وكان صوت المسجل مدوياً وكأنك جالس في حفلة عرس وصوت احد المطربين يخترق مسامع أبي جمال والآخرين (يمه كرصتني العكربه) وبعدها (انه بياحال والدفان يغمزلي)،والرجل المعقل بين لحظة واخرى يردد مع نفسه (لا إله إلا الله..والله أكبر)، احدهم يبصق من نافذة الباص من غير مراعاة للذوق العام،وآخر يرمي قنينة الماء الفارغة وسط الشارع غير مبالٍ بنظافة الشارع،وآخر يُجيب على الهاتف ويرد على صاحب المكالمة بانه قرب المقهى في ساحة الطيران بينما كانت الباص متوقفة امام مستشفى ابن النفيس لتنزل منها المرأة المسنة التي لديها موعد لإجراء القسطرة ومع ذلك لم نجد احداً يصاحبها من عائلتها وحين سألتها المرأة الموظفة عن عدم وجود مرافق لها من اولادها ردت عليها بألم (يمه كلمن ملتهي بزوجته)،وهي تنزل (انه الربيت ولغيري يصيرون)!
العِلـَّة في السياسيين
كان  ابو جمال يلاحظ التذمر ولغة السب والشتم التي تنتاب الراكبين عند المرور في أية نقطة تفتيش وما اكثرها ،وكل  الاحاديث تصب غضبها على رجال الجيش والشرطة،احد الركاب كما موجود في مدونة ابي جمال يقول (تدرون بأجهزة السونار كلها كلاوات شكو مجلبين بيها)،وآخر يقول وهو يلتفت الى الراكب الذي بجانبه:  هل سمعت يوما بان السيطرة الفلانية قبضت على ارهابيين او كشفت سيارة مفخخة؟ بل ان الجرائم والحوادث في معظمها تحدث عند السيطرات كما يقول الراكب،راكب آخر يقول: العلة ليست بالسيطرات او جهاز كشف المتفجرات ،انما العلة في بعض السياسيين الذين هم يريدون ان يبقى الوضع الامني متأزماً ،لان بقاءهم في الحكم هو في بقاء الاوضاع مضطربة كما يقول الراكب الذي تطابقت آراء الجميع معه ملقية بما تجري من اوضاع على الكتل السياسية المتناحرة وترفض التوحد من اجل النهوض بواقع الوطن والمواطن.
ودَّع ابو جمال الباص ولكنه لم يودع ما جرى وما سيجري ما دامت الباص بهذه الصورة الشنيعة من الاهمال من دون رادع او رقيب من اية جهة حكومية،ترجَّل من السيارة وملامح  حزنه تردد معه بكل وجع الكون (هلبت كسرنه بخاطر الله).
جسور المشاة في السبعينات

لاحظ ابو جمال جسر المشاة الذي يربط  بين  جهتي قناة الجيش فرآه وقد بقي نصفه معلقاً ،اما النصف الآخر فقد اختفى دون ان تحرك الجهات المعنية ساكنا ثم اردف قائلا موجهاً كلامه للجالسين: كانت جسور المشاة في سبعينات القرن الماضي تتكون من مصاعد كهربائية،وما ان اكمل ابو جمال الجملة حتى ضحك الشاب وهو يقول: (حجي لا تخبلنه..وين اكو هيج مصاعد.. هاي بس بالافلام انشوفها)، ردَّ عليه الرجل المرتدي العقال (عمي إنتم اولاد الحصار حقكم كل شي ما شفتو)، انتبه الجميع لصوت السائق وهو يصرخ بوجه شاب سائق تكسي كان يحاول اخذ دوره في عبور سيطرة مشتركة (والله لو تعبان بيها متفوت هيج فوته.. بس مال حوسمه.. موصوجك صوج الصعدك بيها) وبعد ان تجاوزه الشاب ختم عصبيته بنعت الشاب (ما يسويها غير الزمال) وكان الشاب ايضا يصرخ لكن لم نفهم صراخه.
الباص وحكايا الانفجارات
انطلقت الباص وعند باب المرآب وقف شاب اسمر بلحية غير نظامية يجمع ضريبة الدخول من الباصات المنطلقة لأمكنة ومن غير ان يستلم السائق أي وصل بالمبلغ قام بتسليم الشاب الف دينار،ومع انطلاق الباص بدأت التساؤلات وحديث الشكوى من الوجوه التي لا يفارقها القلق والحزن،الرجل الكبير يواصل التدخين مع مواصلة الحديث عن تفجيرات الامس متسائلا عن عدد الشهداء واختلفت الاجابات بالعدد الصحيح،الشاب الذي صعد اخيراً قال: (الحكومة تكول سبعة والجرحى 22)، ضحك الرجل بسخرية وهو يهز بيده قائلا: (عمي هذوله ميعرفون غير يبوكون ويجذبون)! قطع حديثه صوت السائق وهو يطالب بالأجرة ،وقام الجميع بدفعها واعطائها للسائق وهو يسير بسيارته باتجاه قناة الجيش، لاحت على اليمين بناية السوق الحرة التي ينظر اليها ابو جمال مستذكرا عصرها الذهبي مردداً امام الراكبين" ما المانع من اعادة بنائها وموازنتنا تعدل موازنة خمس دول؟"ردَّ عليه رجل متوسط العمر قائلا "يستغرب اولادنا اليوم وينبهر بوجود المولات الجديدة علما ان اول مول في العراق تأسس في نهاية اربعينيات القرن الماضي وهو سوق الرشيد المركزي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. غيث رشيد

    السيد يوسف المحمداوي تحية طيبه وبعد ... مقال جميل ونقد على طريقه الكوميديه الساخره مثل الوضع العراقي في هذه الايام... اتمنى منك المواصله بهذه الطريقه مع شي بسيط عدم الاطاله في المقال مع جزيل الشكر والتقدير

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram