 بقلم : لور ماندفيل  ترجمة : عدوية الهلالي عندما تقطع الطريق النهري نحو الشمال ، من واشنطن صعودا إلى مقاطعة مونتغمري الثرية في ماريلاند ، ستجد نفسك مباشرة في ضاحية (بوتوماك ) البالغة الثراء حيث القصور المتنوعة ذات التصاميم الجميلة من القرن الحادي و

 بقلم : لور ماندفيل
 ترجمة : عدوية الهلالي

عندما تقطع الطريق النهري نحو الشمال ، من واشنطن صعودا إلى مقاطعة مونتغمري الثرية في ماريلاند ، ستجد نفسك مباشرة في ضاحية (بوتوماك ) البالغة الثراء حيث القصور المتنوعة ذات التصاميم الجميلة من القرن الحادي والعشرين الممتدة على مساحة عدة أميال والمجهزة بخمس أو ست حمامات مع مطابخ متشابهة وصالات رقص ..
يمكن اعتبار التركيز المبالغ فيه على الثراء والإسراف في مظاهره هو حصيلة فقاعة الثروة التي تغلف واشنطن حاليا ..هذه المدينة التي اعتبرت لوقت طويل محافظة صغيرة بالمقارنة مع نيويورك ، تحولت خلال الخمس عشرة الأخيرة إلى ملاذ فاخر للأثرياء إذ تقع فيها سبعة من عشرة مقاطعات هي الأغنى في الولايات المتحدة ، لكن منجم الثروة التي هبطت عليها وجعلت الأموال تتدفق إليها ليس السينما ولا وسائل التكنولوجيا الحديثة و لا حتى شارع المال والبورصة (وول ستريت ) ..إنها صناعة السلطة وممارسة لعبة السياسة التي أنجبت (مدينة الأثرياء ) حيث يمكن بواسطة المال تغيير مسار العملية السياسية برمتها ..
في كتابه (هذه المدينة ) الذي احدث ضجة كبرى ، حذر الصحفي والمحلل السياسي الأمريكي مارك ليبوفيتش من تغير ملامح واشنطن واصفاً ما يجري فيها بالـ( العالم الإقطاعي ) حيث المال هو السيد وحيث يمسك بعض المحترفين بخيوط السياسة مستفيدين من مصادر الإثراء في سعيهم المحموم لتمرير مصالحهم الخاصة ..
هناك دائما علاقة واضحة بين المال والسلطة في أميريكا ، ففي القرن التاسع عشر وفي عهد الرئيس غرانت ، اجتمع به رجال الأعمال بشكل مباشر في قاعة فندق ويلارد ونشأ وقتها مفهوم (جماعات الضغط ) وهي منظمة تمارس ضغطا على السلطات العامة لإنجاح مصالحها الخاصة ..وقد اصبح عدد المسجلين رسميا في هذه الجماعات حتى هذا اليوم اكثر من 12000 الف شخص يمثلون رموز المدينة نمت فيها قوة القرار السياسي بفضل المال وبشكل واسع خلال القرن الحادي والعشرين ونتيجة للتأثير المزدوج لحادثة الحادي عشر من سبتمبر ثم الأزمة المالية - كما يرى ليبوفيتش – مؤكدا على نمو قطاعي الدفاع والأمن خصوصا بشكل كبير منذ عام 2001 .. لقد دفع نمو الحكومة الاتحادية وسلطتها التنظيمية وول ستريت أيضا وجميع الشركات الكبرى إلى دفع المليارات لتمرير القوانين التي تلائم مصالحها ، لذلك ، صار من الممكن ان تفتح أبواب الكونغرس الأمريكي أو البيت الأبيض لأي شخص يمكن ان يبيع ذمته بثمن باهظ ..فالذين يحاولون الترشيح للمرة الثانية على سبيل المثال يدفعهم هاجس التوجس من عدم إعادة انتخابهم إلى الانحناء بسهولة أمام المصالح الخاصة للفوز بحصتهم من ( الكعكة ) وعن طريق ممارسات جماعات الضغط .. بسخرية ومرارة واضحة ، يصف ليبوفيتش جحافل المرشحين الذين يصلون إلى واشنطن محملين بأفكار إنسانية ثم يصبحون تدريجياً أعضاء  في جماعات الضغط فتمتلئ جيوبهم بملايين الدولارات ..بهذه الطريقة ، كان الممثل الديمقراطي بيلي توزان قد كتب قوانينا حول تنظيم صناعة وتوزيع الأدوية لكنه اصبح فيما بعد احد أعضاء جماعات الضغط واثرى على حساب صناعة الأدوية ...
مؤخرا ، اصبح حلم تحقيق الثراء –كما يقول ليبوفيتش – هو الفكرة الأكثر مثالية في واشنطن مشيرا بانزعاج إلى انسحاب صفة ديمقراطي أو جمهوري أمام صاحب الملايين ومؤكدا إعادة تعيين عدد كبير من موظفي إدارة باراك أوباما عبر وول ستريت وبمساعدة وسائل الإعلام التي تحتل مكانة ( النخبة ) في هذه المشاريع ( المشبوهة ) ، رغم ان الإنترنت جعل مهمة الترويج الذاتي للبقاء في مواقع السلطة اسهل بكثير من الاعتماد على وسائل الإعلام .. وينتقد ليبوفيتش العدد الكبير من مراسلي البيت الأبيض الذين يحضرون العشاء الذي يعد لهم خصيصا كل عام مع ما يتضمنه من لهو وتسلية ويكلف عشر ملايين دولار ، وهو اكبر دليل على حجم التواطؤ بين رجال السياسة والإعلام ، إضافة إلى انه سبب رئيسي للجمود السياسي الحالي وإصابة العملية السياسية في أمريكا بالشلل لكثرة ما تدفع لأجلها الأموال ويثري على حسابها أفراد جماعات الضغط وتجري على أساسها التقييمات لا من قبل أصحاب القرار بل من قبل محترفي لعبة السياسة والمال.
عن صحيفة لوفيغارو الفرنسية