كما كانت الحال مع كنيدي و خروشوف أو مع نيكسون و الصينيين، فان حل الصراعات لا يأتي الا عند الوصول الى الأعداء و مفاوضتهم . في شباط 1972 ، قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بزيارة " مفاجئة " الى الصين ، معترفا بالنظام الشيوعي للرئيس ماو زيدونغ و فاتحا
كما كانت الحال مع كنيدي و خروشوف أو مع نيكسون و الصينيين، فان حل الصراعات لا يأتي الا عند الوصول الى الأعداء و مفاوضتهم .
في شباط 1972 ، قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بزيارة " مفاجئة " الى الصين ، معترفا بالنظام الشيوعي للرئيس ماو زيدونغ و فاتحا الباب أمام علاقات سلمية سادت بين البلدين منذ ذلك الحين . رغم ان نيكسون كان قد أسس حياته السياسية على الحملات المعادية للشيوعية و التي كانت في جزء منها رد فعل على " خسارة الصين " في 1949 ، الا انه بعد ذلك سار على خطوات الجنرال ديغول الذي سبق ان أسس علاقات دبلوماسية مع الصين قبل ذلك بثماني سنوات – في 1964 – لأن على المرء ، كما قال ديغول " ان يقبل العالم كما هو، و الصين هي الصين قبل ان تكون شيوعية ".
في عام 1973 وقّع هنري كيسنجر " اتفاقات باريس " التي وضعت نهاية رسمية للحرب الأميركية في فيتنام. قبل عقد من ذلك، قام جون كنيدي و نيكيتا خروشوف بحل أزمة الصواريخ الكوبية من خلال سحب السوفييت صواريخهم من كوبا و تعهّد الولايات المتحدة بعدم مهاجمة كوبا و سحب صواريخها من تركيا .
هذه الأحداث غيرت مجرى التاريخ و أبعدته عن مواجهات لا نهاية لها و عن مخاطر حرب عالمية. يجب ان نتذكر ان الصين و الاتحاد السوفيتي و فيتنام الشمالية لم تستوف المعايير الغربية للديمقراطية. لم يكن ديغول و كنيدي و نيكسون و كيسنجر اصدقاء للشيوعية، و من الجانب الآخر لم يمارس خروشوف و ماو و الفيتناميون الرأسمالية و الإمبريالية الغربية.
السلام ليس شيئا يتحقق بين الأصدقاء و انما بين الخصوم، انه يبنى على الاعتراف بالحقيقة. عندما تكون البلدان او الأيديولوجيات في حالة صراع ، فهناك قضيتان : اما تدمير أحد الطرفين كما هي الحال مع روما و قرطاجة ، أو السلام و المفاوضات. كما يبين التاريخ، ففي حالة الاتحاد السوفييتي و الصين و فيتنام كان السلام شرطا مسبقا جعل التطور الداخل لهذه البلدان ممكنا .
خلال العقود الأخيرة، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ، فقد نسي الغرب المفهوم الأساسي للديمقراطية. و بدلا من ذلك، فقد سار على نهج " التدمير الكامل للعدو " سواء أكان صدام حسين في العراق، او معمر القذافي في ليبيا ، او نظام الأسد في سوريا او الجمهورية الإسلامية في ايران . ذلك المسار كان مؤسسا على الأيديولوجية : خليط من أصولية حقوق الانسان و الدعم الأعمى " للديمقراطية الوحيدة في المنطقة " اسرائيل . على أية حال فقد قاد ذلك الى الفشل، حيث لم يثمر النهج عن فائدة للغرب و لم يسبب سوى معاناة كبيرة للسكان الذين زعموا بانهم يساعدوهم .
هناك دلالات على ان الوضع يتغير . اولا، رفض الشعب البريطاني و من بعده الأميركي و ممثلوهم حربا جديدة في سوريا ، و توصلت روسيا و الولايات المتحدة و سوريا الى اتفاق حول الأسلحة الكيمياوية السورية ، كما يقوم الرئيس اوباما بخطوات تجاه اجراء مفاوضات صادقة مع ايران ، و وصفت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي و وزير الخارجية الإيراني المحادثات التي اختتمت توا في جنيف بانها " موضوعية و هادفة".
ينبغي متابعة كل هذه التطورات بحماس، و يجب ان يشمل مؤتمر جنيف الثاني حول سوريا جميع الأطراف الداخلية و الخارجية المعنية بالصراع اذا ما اريد له ان يكون خطوة مهمة نحو إيجاد حل لمأساة هذا البلد الذي مزقته الحرب. ان العقوبات المجحفة ضد ايران ، كما كانت في العراق في وقت سابق ، تفرض عقابا شديدا على السكان و من الواجب رفعها في اقرب وقت ممكن .
من جانبها تعارض اسرائيل و من يدعمها بشدة هذه الخطوات الهادفة للسلام. لكن عليهم ان يتوقعوا البدء بالسؤال عن اسلحة اسرائيل للدمار الشامل . لماذا يمتلك هذا البلد لوحده في المنطقة مثل هذه الأسلحة ؟ اذا كان أمنه مقدسا جدا فماذا عن أمن الفلسطينيين او اللبنانيين ؟ و لماذا تستمر الولايات المتحدة – وسط الأزمة المالية الوخيمة – في تمويل هذا البلد الذي يتجاهل جميع طلباتها كوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة ؟ .
على الغرب ان يفهم ان البلدان ، قبل ان تكون بعثية او اسلامية او شيوعية في الماضي ، فانها مأهولة بشعوب تمتلك انسانية مشتركة و نفس حق العيش بغض النظر عن الأيديولوجية . على الغرب ان يختار الواقعية التي توحّد و ليس الأيديولوجية التي تفرّق . عندها فقط يمكن ان نتحرك تجاه تحقيق مصالحنا الحقيقية التي تفترض مسبقا وجود علاقات سلمية بين مختلف النظم الاجتماعية و الاحترام المتبادل للسيدة الوطنية .