TOP

جريدة المدى > عام > كازينو الجندول

كازينو الجندول

نشر في: 21 أكتوبر, 2013: 10:01 م

( أو الحورية التي تمشي على شط الحلة وهي تضيء الليل بآلاف من عيون القتلى الدامعة في خصرها)قبل خمسين عاماً  تلك التي لم يعشها نوح يعبر الجسرَ إلى الصوب الصغير فتىًليرى النهر وهو يمد برفق ساعده ليطوي خصر امرأة اسمها الجندولفجُنّ مما قد رأىنهرٌ وامر

( أو الحورية التي تمشي على شط الحلة وهي تضيء الليل بآلاف من عيون القتلى الدامعة في خصرها)
قبل خمسين عاماً  
تلك التي لم يعشها نوح
يعبر الجسرَ إلى الصوب الصغير فتىً
ليرى النهر وهو يمد برفق ساعده
ليطوي خصر امرأة اسمها الجندول
فجُنّ مما قد رأى
نهرٌ وامرأة يغرقان في سورْةِ قُبلٍ مائيةٍ
يسمع زقزقتها في تغريد البلابل
فاتكأَ على أقرب غيمةٍ وغفا حالماً
رأى جنةً تهبط من السماء
محفوفة بالملائكة
وتختار ما بين النهرين سكناً
لم يدر بخُلد الفتى وهو ينطّ مذعوراً
بعينين مهروستين
ببساطيل نواب ضباط القرى
إن جهنم بكل خزنتها وجحيمها
اختارت ما بين النهرين سكناً
بعقود قابلةٍ للتجديد تستغرق
تسع مئة وخمسين عاماً
*
الجندول مدرسةٌ
اساتيذها النهر والنخلة والفاختة
في الدرس الأول قال النهر وهو يطل علينا
ببدلة أنيقة من أمواجه
الدين لله والوطن للجميع
وسقانا ماءً فراتاً
ولم يسأل أحداً عن اسمه
وأخذنا إلى النخلة
وأرانا كيف تنزع  أعذاقها المتوهجة بالنجوم
ليطير بها القمر المتوثب
في جمارها إلى سماء تلوّح بآلاف السنابل
فتصير السماء سقفاً محفوظاً وحافظاً
ويخضّر وجه الأرض
فنرقص على صوت الفاختة
وهي تهزّ مهد وليدها
(كوكوتي ..وين اختي... بالحله)
فنتأكد بأن الحلة
أُم من لا أُمَ له
فلم ينم أحدٌ تحت سقفها غريباً
*
في الصباح الطري
حين تمتزج رائحة الصبايا
وما أجمل غزلان الحلة
وهن يعبرن الجسر في الطريق إلى المدرسة
برائحة الماء والقمر والشمس والشجر
يصعد النهر مسحوراً بهذا العطر إلى عروسه
يجلس لصق خصرها
يفلّ جدائلها
يشرب شاي العصر
يفرش شليله ليفرهد ابتسامات الصبايا
وما يهمس به الورد الجوري
ويعود راقصاً إلى ضفتيه
داعيا الغيوم الرُضّع
ليزقّها من عطر الحلة حليبا معسلا
بطيبة أهلها وأرواحهم التواقة للنور
ويدعوها  إلى أن تقضي ليلتها في فندق الغيوم
السدرة الغافية على شط الحلة
لتصعد قبل أن تراها الشمس
بآلاف العصافير
فلا مطر أجمل عطراً من مطر الحلة
ولا عسل أطيب من حالوبه الذائب في أكفّ أمهاتنا
*
كانت السينمات والنوادي الليلية
تقع على بعد شمرة عصا من الجندول
والحلة تمدّ يدها بيضاء من غير سوء
*
أجمل درس في مدرسة الجندول
هو درس الأمواج التي تقفز فوق الجسر
 لئلا يلمسها الظل وتمضي عارية تتلون بالشمس
لم نصطد واحدة منها على الإطلاق
رغم شباكنا المنصوبة ليل نهار
الحق أقول إن اسم الدرس
هو درس الحرية التي لم نتعلم منها مطلقاً
لأننا لا نملك قوة الماء وبراءته
*
كان الجسر الحديدي يدوخ مرتين في اليوم
مرة حين يعبره السكارى المتوزعون بعد منتصف الليل
إلى الصوب الكبير أو الصغير
وتلك دوخة لا يحبها
ومرةً حين تعبره الصبايا في الطريق إلى المدرسة
فيصير النهر غابة من السيقان البضّة الطرية
وتلك التي يهتزّ لها طربا
وينحني إجلالاً للنهر الذي يفيض النور من ضفتيه
(يلما ردتني
تكسر جناحي ليش
يلماردتني )
*
كان الحليّون يأتون إلى الجندول
 ليأخذوا حصتهم كاملة من الماء والخضراء والوجه الحسن
قبل ان تطحنها دبابات الحزب القائد
وتسحقها بساطيل أجلاف القرى المتحاربة
التي لا تميّز بين الجُك وبين البُك
تاركين الوطن كعصف مأكول
(بطه وصدتني
بين الجرف والماي ياداده
بطه وصدتني)
*
بعينيّ هاتين رأيت النهر يغمض عينيه قبل أن يصل الجندول
لئلا يراها بهذا الخراب الذي يعصر القلب
فيجري نائحاً بآلاف الفخاتي
متوسلاً بابل مرة
ومرقد النبي أيوب مرة أخرى
فلم يجد لها أثراً
*
قبل أن يعدموا النخلة المجاورة للنهر
صاحت بكل جمارها
يا نهر إن الجندول لمّت رمادها ونزلت إليك بطّةً
تئنُّ بآلاف النايات
فيسودُّ وجه النهر
ويجري أعمى يتلاطم بالظلمات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram