ترجمة: علاء خالد غزالة جئت الى العراق بعد ثلاثة أيام من فرار صدام. كان ذلك في الثاني عشر من نيسان 2003، كان العراقيون في ذلك الوقت تقشعر ابدانهم اذا سألهم احدهم فيما اذا كانوا سُنة او شيعة او اكرادا. كانوا يقولون انه ليس هناك من فرق بينهم، فهم إخوة. وبدا ذلك الامر صحيحا لفترة وجيزة تلت تلك الحرب الحامية.
واليوم يتبدى مثل هذا الموقف من جديد في إرجاء البلاد، وهو موقف مُرحب به بعد ست سنوات من الجرائم الدامية بين الطوائف والأعراق والاديان المختلفة. فهل سيدوم هذا؟ ام سيدير الاميركيون ظهرورهم للحقائق المزعجة الماثلة في الخلافات بين الاعراق والأديان، وتجذر اصول الحقد، والصراع على السلطة والأرض، كما فعلوا في كوسوفو والبوسنة وربما الآن في افغانستان؟ وكما ان تركيز الامة (الأميركية) بات منصبا شرقا، على أفغانستان، فإني قمت أيضا برحلة إلى كابول كونها مقر وظيفتي الجديدة. ومن المغري القيام بالمقارنة بين هذين المكانين المنهكين. هناك بعض أوجه التشابه، لكن لاشك في ان هناك اختلافات بنفس القدر. ما هي الدروس التي حملتـُها معي من العراق؟ تختلف الثقافتان بقدر اختلاف الجبال عن الصحارى. وبالنسبة للقادمين من الخارج، هناك كفاح مألوف لرؤية المكان كما هو على حقيقته، لا كما نتمنى ان يكون عليه. في عام 2003 اراد الاميريكون ان يؤكدوا أن عصرا من الإخاء والتكامل، اللذين ربما قام الجيش الأميركي بفصم عراهما، قد وفد الى العراق. وبالمثل، رغب العديد من العراقيين بنفس الاعتقاد. لقد كان التفكير المطول في عمق انعدام الثقة، الذي اختبأ طويلا بين القوميات والطوائف، يعني الاعتراف بان وطيس العنف كان منتظرا على الابواب. اجتاح الاميركيون بادية الكفاح الطويل للسيطرة على الحوض الخصيب بين نهري دجلة والفرات. لقد كان الامر كما لو ان المسؤولين اعتقدوا انهم ربما بقولهم انهم اخوة فسيصبحون كذلك. أراد الأميركيون ان يؤمنوا بان نسختهم من الديمقراطية كانت على وشك ان تترعرع في العراق: بلد مسالم متعدد الاديان والاثنيات العرقية يخضع لحكم القانون، هذه الرغبة الجامحة في ان نجد في بلد آخر مرآة عن انفسنا غلبت التحليلات الباردة وقادت الى سنوات من الانكار لم تنتهِ الا بعد أن تزايدت الجثث المشوهة في مشرحة بغداد كل يوم: ثلاثون، اربعون، واخيرا خمس وسبعون الى مئة. أدركت ان التناحر الطائفي بدأ في الظهور في تشرين الثاني 2003، ولكن لم يكن لدي ادنى فكرة الى أي مدى سيذهب هذا التناحر. كان يجب على ان اكون كطائر الكناري في منجم الفحم، ولكني لم اكن اريد ان اصدق ما ارى، شأني في ذلك شأن الكثيرين من حولي. وكنت اعمل في صحيفة لوس انجلس تايمز في ذلك الوقت، أي قبل حوالي اربعة اعوام من قدومي الى هذه الصحيفة. كان الوقت في اوائل الشتاء، سماءً غائمة وجواً رطباً، حينما قـُتل إمام مسجدٍ أعمى في حي يسمى الوشاش بينما كان ماشيا في طريقه الى بيته بعد اداء صلاة الفجر في اول ايام شهر رمضان. وقـُتل معه اخوه وصبي يافع كان يرشده في طريقه سادت الفوضى المنطقة، وباتت البيوت مزدحمة، وسرعان ما انتشر العنف في الطرقات الضيقة، تحت مظلات متهرئة انبسط سوق مفتوح للفواكه والخضروات ليعرض زهور القرنبيط الشاحبة والخس والبرتقال الرديء.. هزّوا اكتافهم حينما سألتهم ما الذي جرى. سألتهم ان كان عليه دَين، او ان كان قد اساء الى أي احد. صفقوا بأيديهم، حتى الناس بينهم كانوا يخشون سطوة المسلحين، وجدتُ دار الامام، وهو بيت متواضع ليس فيه سوى غرفة واحدة يطل على احد شارعين كانت عائلته تقطنها. اخبرني ابنه بقصة والده. كان ابوه، الذي فقد بصره منذ سنوات عديدة، يخطب في مسجد صغير ليس ببعيد عن منزله، يؤذن كل صباح لصلاة الفجر، يستدل بعصاه لتساعده على بلوغ المسجد في الوقت المناسب ليؤدي الصلاة، وحالما سقط نظام صدام بدأ الامام في تلقي التهديدات. وحينما انهى تنظيف المسجد وخرج بمفرده الى الشارع همس الناس ان وقته قد انتهى. لم يعد مرحباً به هناك. وفي يوم مقتله كان الوقت باكرا، لكن الشوارع لم تكن خالية تماما من المارة. بيد انه لم يقرّ احد من سكنة الحي برؤية أي شيء. قال لي ابن عم الإمام: «لقد أردوا ان نرحل»، سألتُ: «من؟» هزّ كتفه ولم يقل شيئأ. طلبتْ العائلة مني ان أغادر، من شأن وجود اجنبي لديهم ان يجلب الانتباه، كانت أرملة الإمام تحزم أمتعتها في حقيبة رثة، كانوا سيذهبون للاقامة عند احد أقاربهم. بعد ذلك لم اثق بالكلمات المنمقة عن الاخوة بين المكونات. لم اصدق الادعاءات بان الطائفة لا تهم. واليوم تعود لغة التآخي للظهور مجددا. والعراقيون في معظمهم متعبون، على الاقل من الحرب الطائفية، وبينما ينظم المرشحون أنفسهم لخوض الانتخابات البرلمانية في عام 2010، فانهم باتوا يعزفون على اسطوانة الوطنية. وهم يشكلون أحزابا تضم جميع الطوائف. ربما يكون صحيحا ان سفك الدماء قد انتهى إلى حد كبير، لكن اكثر ما أخشاه ان لا تكون الحروب بين الفصائل المتنازعة قد انتهت. وحتى قبل التفجيرات الرهيبة التي وقعت في الاسبوع الماضي عند المباني الحكومية في قلب مدينة بغداد، فان بعض الرحلات التي قمتُ بها في الاشهر الستة الماضية اظهرت لي بوضوح مدى عدم اليقين حول الطريق الذي تسلكه
الدروس المستخلصة للحرب المقبلة
نشر في: 10 نوفمبر, 2009: 03:59 م