ترجمة: عمار كاظم محمد الوهج البرتقالي للغاز الطبيعي المنبعث من نيران حقول النفط العملاقة حول البصرة يمثل ثروة هذه المدينة الغنية بالمصادر الطبيعية للطاقة،لكنها بالنسبة للناس الفقراء الذين يعيشون هناك فإن لهب النيران يذكرهم فقط بعدم قدرتهم على الحصول على نصيبهم من تلك الثروة الكامنة تحت اقدامهم.
المنطقة حول البصرة التي تمثل ثاني أكبر مدينة في العراق ومينائه الرئيسي تستخرج ما يقارب من 80 % من انتاج النفط في البلاد. وقد بدأت وكأنها أمل العراق الأفضل للاستقرار والازدهار حيث تستعد لبيع حقول نفطها الكبرى والمتخلفة تكنولوجيا الى الشركات الأجنبية في مزاد الشهر القادم وهي تمثل الحقول الخمس الكبرى التي سيتم عرضها في المزاد اربعة منها في داخل أو حول البصرة. وعلى الرغم من الثروات الكبيرة والكامنة في حقول نفطها فإن هذه المدينة البالغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة تعتبر واحدة من بين الأماكن الأكثر فقرا في العراق، فالناس التي تعيش في الأحياء التي تبعد بضعة اميال عن حقول النفط السود التي تطفو على سطح التربة تعيش وسط الطين والأوساخ. والعربات القديمة التي تجرها الحمير تتنافس في أخذ مكان لها مع السيارات في الشوارع، ونسب سرطان الأطفال هي الأعلى في البلاد ومياه الشرب المالحة تجعل الناس يمرضون وهناك من القمامة في الشوارع أكثر من جامعي القمامة الذين يقومون بإزالتها. هناك مئات الآلاف الذين يعيشون في القرى حول الحقول وكلهم يحلمون بإيجاد فرصة عمل في النفط، لكن ذلك غير ممكن فجميع الذين يقدمون لهذه الوظائف يتم اخبارهم بشكل مستمر بأنهم يفتقرون الى التعليم او الخبرة في مجال النفط لكنهم في ذات الوقت يؤمنون بأن نقصهم الحقيقي ليس التعليم بل العلاقات وعدم دفعهم الرشاوى من اجل التعيين. يجلس الناس هناك في الأمسيات وهم يراقبون النيران متسائلين كيف أنهم يمكن أن يكونوا اغنياء اذا امتلكوا لساعة واحدة تلك الصادرات النفطية. يقول نعيم الموسوي الذي يعيش في احدى تلك القرى الأفقر في منطقة البصرة « عندما اعلنت وزارة النفط في الشهر الماضي انها تخطط لاستخدام عمال لشركة نفط الجنوب في البصرة وقفت الآلاف من الناس في الطوابير للتقديم اليها وكان بينهم اناس بملابسهم الرثة واقدام عارية موحلة وحينما اضطرب الطابور بسبب الزحام تم استدعاء رجال الشرطة وقد تعرض البعض من الواقفين الى الضرب فهناك 27 ألف مقدم للطلبات بينما الوظائف المطلوبة 1600 فقط والتي تتطلب أغلبها تعليما جامعيا أوخبرة في مجال النفط ومعظم البصريين لا يمتلكون مثل هذه المؤهلات. تمتد أنابيب النفط حول قرية الصديقة وهناك بضعة آلاف شخص يعيشون في بيوت متداعية من الطابوق الصخري وسقوفها من ألواح البلاستك، لا يوجد هناك من يجمع القمامة وقد تركت النفايات تتعفن تحت الشمس وليس هناك نظام للمجاري لذلك فإن المياه الآسنة تجري من البيوت في الشارع ما جذبت آلاف الذباب الذي تجمع على بحيرات المياه الآسنة التي تمتد خارج البيوت. الجميع هنا تقريبا عاطلون عن العمل، ان ارض القرية مملوكة للحكومة – كحقل نفطي – ووجودها غير قانوني لذلك يقول السكان أن رجال الشرطة يظهرون بين الحين والآخر مهددين بتهديم البيوت. حسين فالح البالغ من العمر 29 عاما وهو أب لطفلين وعاطل عن العمل عاش في قرية الصديقة منذ عام 2003 وهناك خمسة عشر فردا من اسرته يعيشون في بيت مبني من الطابوق الاسمنتي « البلوك « مكون من ثلاثة غرف صغيرة، في احد الصباحات مؤخرا وضع طفل حسين الأصغر عصام والمولود قبل اسبوعين فقط في الخارج لكي يستنشق الهواء فوجده بعد قليل مغطى وجهه بالكامل مغطى بالذباب الجائع وهو ينهش وجهه الرقيق. وقد تم سؤال حسين فيما اذا كان قد قدم طلبا للتعيين في مصفى النفط فأدار ألينا وجهه قائلاً: «انك لا تستطيع حتى الوصول الى المصفى او التكلم عنه». المسؤولون الحكوميون في البصرة دعوا الى استقطاع مبلغ دولار واحد عن كل برميل نفط ينتج من المحافظة حتى يمكن استعمال المبلغ لدعم المشاريع المحلية في المحافظة بدلا من أن يذهب الى الحكومة المركزية، لكن حتى لو اصبحت البصرة فجأة مغمورة بأموال النفط فإن مشاريع الاسكان الجديدة والمكاتب والأراضي الزراعية سيتم ايقافها لأن كل شيء تقريبا في هذه المدينة هو ضمن الاحتياطيات غير المستغلة للنفط الخام. يقول أحمد السلاطي عضو مجلس محافظة البصرة «ان تسعين بالمئة من البصرة حقول نفطية فنحن لا نستطيع بناء أي شيء هنا، نحن بحاجة الى مجمعات سكنية في بعض الاحياء لكننا لانستطيع لأننا محاطون بالنفط». وأضاف: «لقد غدونا مرضى بسبب تنفسنا الغازات والشوارع تحطمت بسبب مرور شاحنات النفط عليها»، وفي كلام جرى مؤخرا لوزير التخطيط علي بابان قال فيه: «ان البصرة تتربع على قمة أن تكون «أحد اهم المراكز في العالم من حيث الأهمية الاقتصادية». لكن في قرية الشعيبة القريبة من مصافي نفط المدينة والحقول المليئة بالهواء الثقيل المشبع برائحة النفط فان المزارعين قد توقفوا عن زراعة الطماطم ويؤجرون حقولهم كأرض لوقوف الشاحنات مقابل ما يعادل 80 سنت
البصرة على بحر من النفط.. لكن الفائدة قليلة
نشر في: 10 نوفمبر, 2009: 04:02 م